بمعنى: أنه يشتهي نفسه أن يبيع ما يسوي ألفا بعشرة دراهم من دون تعلق غرض به، ولا ريب أن صدور هذه المعاملة بنفسها لا يصير الرجل سفيها، لأن السفه نقصان العقل كما ذكرناه، وهذا لا يدل على نقصان العقل. نعم، لو تكرر منه مثل هذا العمل وعلم أنه غير مصلح لماله بل مضيع له عد سفيها، ولكن ذلك غير الفرض، فبين (معاملة السفيه) و (المعاملة السفهية) عموم من وجه، فتجتمعان في صورة كون العاقد سفيها مع كون معاملته أيضا مما لا تصدر عن العقلاء كبيع ما يسوي بألف بعشر واحد (1)، ويفترق الأول فيما لو فعل السفيه (2) معاملة جارية على طريقة العقلاء كبيع المال بثمن المثل وزيادة، ويفترق الثاني في صورة كون المباشر رشيدا في العرف والعادة له ملكة إصلاح المال وضبطه وصرفه في الوجوه اللائقة له مع صدور معاملة عنه غير جارية على مقتضى الرشد بل جارية على عادة السفهاء، فإن فعل الغير العاقل يجوز صدوره عن العاقل فضلا عن ناقص العقل. وبالجملة: المعاملة السفهية المبحوث عنها على هذا التحرير ما كان شأنها الصدور من سفيه لا من تام العقل.
وثالثها: أن مجرد صدور مثل هذا العقد لو كان قاضيا بسفاهة فاعله للزم بعد ذلك حجره (3) عن التصرفات المالية - كما هو قاعدة السفهاء - مع أن الرجل بمحض صدور ذلك لا يحجر عليه بلا كلام، بل الميزان في ثبوت السفه إنما هو انكشاف عدم وجود ملكة الإصلاح فيه، وأنى له الانكشاف بذلك؟
ورابعها: أن العمدة في إثبات أحكام السفيه من الحجر وغيره إنما هو النصوص الكتابية وغيرها الدالة على عدم إيتاء الأموال للسفهاء وعدم نفاذ معاملاتهم، ولا ريب أن هذه الأدلة لا تشمل مثل هذا الرجل بمجرد هذا الفعل حتى تدخل معاملته في معاملة السفيه.
واحتمال: أنه في حالة صدور هذا العقد عنه سفيه وقبله وبعده رشيد - لأن