النهي المتعلق بشئ ينساق منه إلى الذهن جهته المقصودة بالذات، ولا ريب أن المقصود الذاتي في المعاملات ترتب الآثار عليها، وأما الإباحة والتحريم فهما من التكاليف التي لا ربط لها بالمعاملة من حيث هي كذلك، فإذا تعلق النهي بها يدل على عدم وجود ما هو المقصود من المعاملة فيه، وهو ترتب الأثر، لا عدم الثواب أو وجود العقاب. وبالجملة: تعلق نهي الشارع على شئ يدل على أن الآثار المطلوبة منه من حيث هو كذلك غير مترتبة عليه وهو الفساد، ولا فرق في ذلك بين العبادة والمعاملة.
وما يقال: إنه على هذا لا يختص بصورة التعلق بالأركان، بل يعم المنهي عنه كيف كان، مدفوع بوجود الفرق، إذ لو كان التعلق بأحد الأركان فيكون المعاملة منهيا عنها. وأما لو كان لغير ذلك كان المنهي عنه أمرا خارجيا، وإن وجد في ضمن المعاملة فلا يصير الحيثية المذكورة آتية فيه، بل يلاحظ فيه حيثية أخرى، فلا تذهل.
السادس: أن وظيفة الشرع إنما هو الإرشاد إلى ما هو المصلحة والمفسدة، كأوامر الطبيب في وجه، وهما يلاحظان من جهات شتى، وظاهر النهي كون الشئ ذا مفسدة مطلقا، ومنها عدم ترتب الآثار، وإن أمكن أن يقال: يكفي في ذلك وجود المفسدة الكامنة الموجبة للعقاب وإن لم يكن المفسدة هو عدم ترتب الأثر. لكن يمكن القول بأن الشئ الذي فيه مفسدة ذاتية توجب العقاب لا يجوز على الشارع الحكيم إمضاء آثاره ولوازمه المقصودة منه، لأن الرخص لا تناط بالمعاصي.
وفيه نظر، إلا أنه [فيه] (1) نوع تأييد، ولعله إلى ما ذكرنا ينظر قول من قال: إن المنهي عنه لو كان صحيحا لزم من صحته حكمة تدل عليها الصحة ومن تحريمه حكمة يدل عليها النهي، وهما إما متساويان أو أحدهما يزيد على الاخر، فيلزم ارتفاعهما على الأول أو الصحة، إذ بعد التساقط يبقى على أصالة الإباحة كسائر