وقيد المجئ ليس من معناه، فقد يؤتى به وقد لا يؤتى، فثبت أن معناه نفس النقل، وهو معلول للصيغة، للاتفاق على أنها لانشائه، فتخلفه عنه تخلف المعلول، بخلاف المنقول فإنه محتمل لوجوده (1) والصيغة وضعت لأحداث النقل الفعلي لما قصد نقله للتبعية القصد إجماعا، وحيث انتفى، المقصود انتفى الإنشاء بفوت المنشأ، ولا تخلف، كما أنه لو وجد أثر من حينه بلا فصل، بخلاف البحث السابق، فإنه لو لم نقل بما مر لزم القول ببقاء الإنشاء والعلة وتأخر المعلول وهو النقل، وإن هذا إلا عين المحال.
ونظير ما نحن فيه شبح تريد ضربه بسيف ولا تدري أنه إنسان أو شجر، فإذا ضربت رأسه بالسيف القاطع فقد أتيت بعلة القتل على تقدير كونه إنسانا، مع أنه لو انكشف أنه شجر لم يلزم التخلف، لعدم تحقق فرض العلية، فأنت قاتل لو كان إنسانا جزما، ومجرد الجهل بالواقع لا يوجب عدم إمكان صدور العلة التامة من الفاعل المختار، وقد اعترف الخصم بكون النقل النفساني كالأفعال الخارجية لا يجوز تأخر أثره عنه، ونرى بالعيان صدور العلة من الفاعل المختار مع الشك في أنه موردها أم لا، نظرا إلى كونه جازما بالتأثير على أحد التقديرين، وإن هذا إلا كما نحن فيه.
وربما يتوهم أن الانشاء جزم بالنقل فمتى ما تردد بين احتمالين: أحدهما قابل للنقل والاخر غير قابل يمتنع الإنشاء والجزم، وما يتراءى من وقوعه في الوكالة والنذر فمن جهة أنهما ليسا على حد سائر الانشاءات، لرجوعهما إلى نوع وعد وإخبار.
ولكن نقول: قد بينا أنه لا يلزم من القول بالامتناع في البحث السابق القول به هنا، لأن المناط لم يكن تردد الحصول، بل من جهة تأخر المعلول، وهو هنا منتف، لأنه على أحد التقديرين أثر ومؤثر متقارنان، وعلى الاخر لا أثر ولا مؤثر بمعونة ما قررنا: أن الانشاء علة لما قصد نقله لا مطلقا، والفرض انتفاؤه، فما ألزمنا به