هو أوضح (1) الأمور عند المسلمين، فإن من البديهي أن دين الله أشرف من الأديان الباطلة، مع منافرته للتأكيد بقوله: (ولا يعلى عليه).
وإن كان المراد: الأخبار عن أن الإسلام تزيد شوكته وقوته بحيث يعلو على سائر الأديان بكثرة المتدينين والأعوان، فلا ريب أن الأخبار عن هذا المعنى ليس مما هو وظيفة للشارع من حيث هو كذلك، مع أن نرى علو سائر الأديان وكثرة الكفر والشرك، ومقهورية المسلمين.
واحتمال إرادة أنه يعلو في أواخر الأزمنة بحيث يضمحل الكفر، والأخبار (2) عن هذا المعنى مما لا ريب في بعده من الخبر عند الأنصاف، سيما مع التأكيد بقوله: (ولا يعلى عليه) فإن الظاهر من إثبات العلو للإسلام في المستقبل وإن كان أعم من كونه عاليا دائما أو في زمان من الأزمنة المستقبلة، لكن نفي علو غيره في المستقبل مع حذف المتعلق والزمان ظاهر في النفي دائما، يعني: أن الإسلام لا يعلو عليه غيره في زمان من الأزمنة المستقبلة كما هو قاعدة الألفاظ.
فالفقرة الأولى مجملة في إثبات العلو من هذه الجهة والمتيقن منه بعض الأزمنة، لكنه غير ناف للعلو في الجميع، والفقرة الثانية دالة على عدم علو غيره مطلقا، فإن المتبادر من قولنا: (لا يضرب زيد) نفي ضربه بالمرة، لا في وقت دون وقت.
والسر فيه: أن المصدر في ضمن الفعل نكرة، فإذا دخل عليه أداة النفي اقتضى العموم المستلزم لنفي جميع أفراده، ونفي جميع أفراد العلو في الزمن المستقبل قاض بعدم علو غيره عليه في وقت أصلا، وهذا مدلول لا معارض له في الفقرة الأولى، غاية الأمر دوران الأمر بين علو الإسلام في بعض الأوقات ومساواته مع الكفر في بعض آخر، أو علوه دائما، لأن العبارة الثانية نفت العلو عن غيره، وهو أعم من المساواة وعلو الإسلام، والأولى أثبتت العلو للإسلام في الجملة، فيدور الأمر بين احتمالين ذكرناهما، فلو لم نقل بأن العبارة الأولى قرينة على أن المراد من عدم علو غيره علوه دائما بقرينة المقابلة وعدم ملحوظية المساواة في المقام بالمرة - كما