نعم، يجئ الإشكال من جهة أن الغرر متى ما كان احتمال الضرر المجتنب عنه والشارع نهى عن ذلك لأنه محتمل للضرر، ولازم ذلك كون المعاملة التي قطع فيها بالضرر مع علم المتعاقدين أيضا فاسدة منهيا عنها مع أنهم لا يقولون (1) به، فإما أن المعاملة الغررية صحيحة لو أقدم عليها المتعاقدان كيف كانت (2) - كما لو رضي بالمجهول أي شئ فرض، أو رضي بما لا يقدر على تسليمه، أو بما لا يوثق بوجوده - وإما أن المعاملة المقطوع فيها بتفاوت العوضين والضرر فيها (3) مع علم المتعاقدين به أيضا فاسدة كما في الغررية، مع أن البناء على بطلان الأول دون الثاني.
ووجه الدفع أن يقال: إن مع العلم بوجود الضرر والتفاوت إذا أقدم عليه المتعاقدان فقد أقدم على ضرر نفسه وأسقط احترام ما له، فيكون الزائد بمنزلة الهبة ولا مانع منه، ويشمله عموم أدلة البيع، إلا أن يؤدي إلى السفه - كما قررناه - فيبطل. وأما في صورة الجهالة أو عدم الوثوق بالوجود أو القبض فليس كذلك، لأنه لم يقدم على فرض عدم الوجود وعدم القبض، بل قد أقدم على أنه يقبضه، لكنه غير واثق بحصوله، وهو بيع الخطر.
ولو فرض إقدام شخص على ذلك بأن يقول: (إني أبذل هذا (4) الثمن بإزاء هذا المال سواء كان زائدا أو ناقصا ممكن القبض أم لا) فهو فرد نادر (5) لا يدور مداره الحكم الشرعي، بل الميزان في الضوابط الشرعية إنما هو بناء الأغلب، ولا ريب أن الناس لو أقدموا على بيع مجهول أو ما لا يوثق بقبضه أيضا قاصدون للحصول، فحكم الشارع بأن قصد مثل هذا الشئ غير ممضى، بخلاف ما لو كان معلوم الزيادة والنقيصة، فإنه ليس فيه احتمال الأقدام على ما لا ضرر فيه، بل معلوم أن المال ليس بإزائه ما يقابله ويساويه.