في أن الشهيد رحمه الله ذكر بعد ذلك: أن الغرر قد يكون بماله دخل ظاهر في العوضين وهو ممتنع إجماعا، وقد يكون بما يتسامح - كأس الجدار واشتراط الحمل - وهو معفو إجماعا، وقد يكون بينهما، وهو محل الخلاف، كالجزاف في مال الإجارة والمضاربة (1).
وظاهر كلامه هذا: أن هذه الثلاثة من أفراد الغرر، مع أن الجزاف في مال الإجارة ومال المضاربة عبارة عن عدم العلم بالمقدار، وهو عبارة عن المجهولية، وقد ذكر أن الغرر عبارة عن الجهل بالحصول لا الجهل بالصفة، فكيف عد من أفراد الغرر ما هو من المجهول؟ فبين كلاميه تدافع واضح لو كان المراد ما ذكرناه.
وبعد التأمل يظهر: أن مراد الشهيد رحمه الله من عد المجهول خارجا عن الغرر ليس بالمعنى الذي ذكرناه، بل الظاهر أنه يريد اعتبار الحيثيات، بمعنى: أن الغرر لما كان عبارة عن الخطر فيكون معناه عبارة عن الأقدام على شئ لا يعلم منه حصول المقصود، إذ الخطر معناه حصول النقص والضرر وعدم تمامية المطلوب، والمجهول عبارة عما لا يعلم كما أو كيفا أو معا، ولا ريب أن الجهل بهذا المعنى مغاير للغرر مباين له، ولكن بينهما عموم وخصوص من وجه بحسب المورد، فالمجهولية شئ والغرر شئ آخر، غاية ما في الباب: أنه قد يجتمع في الشئ غرر مع جهالة، وأما بيان مادة يتحقق فيها الجهالة ولا يتحقق فيها الغرر حتى يثبت به العموم من وجه بحسب المورد فربما يمثل له بما لو اشترى - مثلا - شيئا مجهولا بأخس الاحتمالات في المالية - بمعنى أن يبذل في مقابله ما لا يمكن النقصان عنه في المالية - فإنه لا غرر هنا، إذ لا يحتمل هنا عدم حصول ما يقابل العوض، إذ كل ما كان فهو يقابل العوض المبذول، والجهالة في المقام موجودة.
وما مثل به الشهيد رحمه الله من مال المضاربة من موارد اجتماع الغرر والجهالة.
ولا مانع منه، إذ إطلاق الغرر عليه من جهة كونه مجهول الحصول بالمقدار المقصود، بمعنى: أن كل مجهول في المعاملة لا يعلم كونه بمقدار هو مقصود للعاقد،