ويمكن أن يقال: إن هذا ليس ملكا حقيقة، بل هو ملك حكمي رتب الشارع [الأثر] (1) على ذلك، وهو الجعل والاعتبار لا يقتضى الوجود في التاريخ بل إنما يلزم ذلك في الملكية العرفية الحقيقية، فيكون تنزيلا للمعدوم منزلة الموجود وترتيبا لحكم الملك عليه تعبدا.
وعلى كل حال: فالأصل في كل ما جعل متعلقا في العقود أن يكون موجودا، خرج ما دل الدليل عليه - من السلم ونحوه - عن القاعدة وبقي ما عداه.
وحكم الصدقة والعطية والهبة والقرض حكم البيع في اعتبار كون المتعلق عينا ماليا لا منفعة ولا عينا غير متمولة (2) لأنه خلاف وضع هذه العقود، وخلاف ما هو المستفاد من أدلتها (3).
وأما الوقف والسكنى والتحبيس والعارية والإجارة فالضابط في متعلقاتها:
كل عين يصح الانتفاع منها مع بقائها (4) إذ المقصود في ذلك كله هو المنفعة، وهي لا تستوفى إلا شيئا فشيئا، فما لم يكن الشئ قابلا للانتفاع به من دون تلف للعين (5) لا يمكن فرض هذه العقود فيه، فلا يصح تعلق هذه العقود بمثل المطبوخات وسائر المأكولات التي لا انتفاع بها مع بقاء عينها، وهذا هو مقتضى القاعدة، وقد خرج عنها أشياء نذكرها في ذيل البحث.
وحكم عوض الإجارة حكم ثمن المبيع في كفاية كل ما هو عوض متمول.
والرهن لا يتعلق إلا بما يمكن استيفاء الدين منه، لأنه في الحقيقة وثيقة للدين فلا يكون إلا مالا، لأن غيره غير قابل للاستيفاء، ولا يكون منفعة لفواتها شيئا فشيئا وعدم اجتماع أجزائها، وعدم إمكان القبض الحقيقي فيها إلا بعد إتلافها، والرهن مبني على البقاء، وفي اشتراط كونها (6) مما فيه الدوام وعدم سرعة الفساد وجهان مذكوران في كتب الفروع، والذي تقتضيه القاعدة التي أجملناها،