صدور الجعل في نفس الأمر كفى في استحقاق الجعل.
وظاهر كلامهم هذا في الجعالة أن هذا من مختصات باب الجعالة، فالتعيين للمتكلم والمخاطب والسماع والأسماع في سائر العقود شرط اتفاقا من الأصحاب، ظاهرا من (1) ذكرهم ذلك في الجعالة مقتصرا عليه، لدلالته على اعتباره في سائر العقود، وهو كذلك، وقد قررنا أن الدليل على ذلك - مضافا إلى إطباق الأصحاب على ذلك - اقتضاء قواعد التخاطب ذلك، فلا يحتاج إلى ذكر ذلك في الشرائط.
مضافا إلى أن العقود أمور عادية ليست مجعولة من الشرع - كما قررناه مرارا - وليس من الشارع إلا الإمضاء والتقرير وزيادة بعض الشرائط ونحو ذلك، ولا ريب أن المتعارف بين الناس في العقود كلها تعيين ذلك كله والسماع وغير ذلك (فالأدلة الدالة على العقود إنما تنصرف إلى أوضاعها المعهودة في العرف، وهو على ما ذكرناه، بل يمكن دعوى عدم صدق العقد لمثل ذلك، إذ ليس العقد إلا المعاهدة، وهي لا تتحقق إلا بمعين مع السماع والاستماع، فلا تذهل.
وبالجملة: فلا كلام في ذلك حتى في العقود التي يتأخر فيها القبول - كالوكالة والوديعة والوصية ونحو ذلك (3) - فإنه لا ريب في اعتبار كون المتكلم معينا عند القابل وقاصدا للقابل المعين، وسماع القابل لذلك الإيجاب ولو بوسائط وبالنقل، فلا ينافي كون الغائب يوكل ويوصى له ما ذكرناه من القاعدة. نعم، لا يجوز ذلك في العقود اللازمة من جهة الانفصال والتراخي. والحاصل: في الوصية أيضا لو قيل لواحد: (أوصي لك بكذا) ولم يعرف الموصي، فقال: (قبلت) ففي صحته نظر، بل القاعدة تقتضي بالبطلان، إلا في الجهات العامة ونحو ذلك الذي لا عبرة فيه بالقبول، وكذا لو أوصى لشخص مجهول في الظاهر بطلت الوصية. نعم، لو أوصى لرجل أو لفقير أو نحو ذلك أو لمن دخل الدار، فهذا في الحقيقة رجوع إلى تعيين