عن الأول، مثل أن يقول: أعطوا عمرا الثلث الذي أوصيت به لزيد، أو يوصي لزيد بثلث ولعمر وبثلث ثم يقول: هما واحد، أو يقال له عقيب هاتين الوصيتين: قد أضررت بالورثة أو تجاوزت المشروع، فيقول: إنما أوصيت بالثلث، لما تقدم من امتناع تعلق ملكي شخصين بعين واحدة على سبيل العموم. وإن وجدت قرينة تدل على التغاير لم يكن الثاني رجوعا عن الأول قطعا، كما لو قال: أعطوا زيدا ثلث مالي وأعطوا عمرا ثلث مالي بالعطف، أو قال بغير عطف: أعطوا عمرا ثلثا آخر، أو يقول عقيب الوصيتين: قد أوصيت بالثلثين. وإن لم يوجد قرينة تدل على أحدهما - كما لو قال: أعطوا زيدا ثلث مالي أعطوا عمرا ثلث مالي - فالوجه عندي أنه ليس برجوع أيضا، عملا بالاستصحاب، وأصالة البقاء، وعدم المنافاة. ولأنه لو دل على الرجوع فإما بالمطابقة أو التضمن أو الالتزام، والدلالات الثلاثة منتفية، لإمكان الجمع بينهما.
وقول ابن إدريس: " إن الإنسان لا يستحق من ماله بعد وفاته إلا الثلث " لا ينافي تجويز الوصية بأزيد من الثلث، فإنها مع الإجازة تنفذ إجماعا، والإجازة ليست ابتداء عطية، بل تنفيذ لفعل الموصي.
فقوله: " لا يملك أكثر من الثلث " ضعيف، ولو سلم، لكن نمنع أنه يكون رجوعا لو علم أنه لا يستحق أكثر من الثلث، لأنه يعلم أنه مع الإجازة تنفذ الوصية، فيجوز أن يوصي مستندا إلى تجويز الإجازة.
وفرقه بين المطلق والمعين ضعيف، إلا أن يعلم إرادة اتحاد الثلث، فيبقى بمنزلة العين المتحدة في أنه نوع رجوع.
ثم إن قول الشيخ: " إنه لو أجاز الوارث يكون لكل واحد ثلث ماله، وكذا يقول من قال: هو رجوع " في غاية الإشكال، فإنه لو أوصى لزيد بشئ ثم رجع عن وصيته وأجاز الورثة الوصية لم يملك الموصى له ما أوصى