مسألة: قال ابن الجنيد: ليس للواقف الأكل من غلة الوقف ولا السكنى، فإن تملك الغلة وأكل كان ذلك رجوعا فيها إذا لم يخرجها من يده، وإن كان قد أخرجها من يده أو كانت في واجب عليه حكم بثمن ما أكله منها وأجرة ما سكنه، وإن كان ما تصدق به غير مخصوص به أحدا بل عام، كالمسجد يخرجه جاز له أن يصلي فيه وأن يأكل عند الحاجة إليه منه، وكره له الأكل منها مع الغنى.
وقال الشيخ في المبسوط: إذا وقف عاما مثل أن يوقفه على المسلمين جاز له الانتفاع به بلا خلاف، لأنه يعود إلى أصل الإباحة، فيكون هو وغيره فيه سواء (1).
وقال ابن إدريس: إذا وقف شيئا على المسلمين عامة فإنه يجوز له الانتفاع به عند بعض أصحابنا. قال: لأنه يعود إلى أصل الإباحة، فيكون هو وغيره فيه سواء، هذا إذا كان الوقف عاما كان حكمه كحكم غيره من الناس الفقراء والمساكين، فإن كان ما وقفه دارا أو منزلا وكان وقفه لذلك عاما في سائر الناس - مثل الدور التي ينزلها الحاج والخانات - جاز له النزول فيها، وإن لم يكن كذلك لم يجز له ذلك على حال. قال: والذي يقوى عندي أن الواقف لا يجوز له الانتفاع بما وقفه على حال، لما بيناه وأجمعنا عليه من أنه لا يصح وقفه على نفسه، وأنه بالوقف خرج عن ملكه، فلا يجوز عوده إليه بحال (2).
والوجه عندي أن الوقف إن انتقل إلى الله تعالى - كالمساجد - فإن للواقف الانتفاع به كغيره، من الصلاة فيه وغيرها من منافع المسجد، وإن انتقل إلى الخلق لم يدخل، سواء كان مندرجا فيهم وقت الوقف - كما لو وقف على