الثاني، لأنه يعلم أنه لا يستحق سوى الثلث. فإذا أوصى به ثم أوصى به فقد رجع عن الأولى، فهذا معنى قول أصحابنا: إنه إذا أوصى بوصية ثم أوصى بأخرى فإن أمكن العمل بهما جميعا وجب العمل بهما، وإن لم يمكن كان العمل على الأخيرة. فأما إذا أوصى بشئ ولم يقل: بثلثي ثم أوصى بشئ آخر ولم يذكر الثلث وأوصى بشئ آخر ولم يذكر الثلث فإن مذهب أصحابنا أن يبدأ بالأول فالأول، ويكون النقصان إن لم يف الثلث داخلا على الأخير، لأنه لما أوصى للأول ما قال: أوصيت له بثلثي، وكذا الثاني والثالث، فظن أن ثلثه يبلغ مقداره جميع من ذكره ويفي بما ذكر، ولم ينقل عن الأول ما أوصى له به وكذا الثاني، فلو علم أنه قد استوفى ثلث ماله لمن أوصى له به ما أوصى بعده بشئ آخر، لأنه يعلم أنه ليس له بعد موته سوى الثلث، فإذا استوفاه دخل النقص على الأخير. فهذا فرق بين المسألتين، فلا يظن ظان اتحادهما، ولا أن مذهب أصحابنا أن الثانية ناسخة للأولى في جميع المواضع، ولا أن الواجب البدأة بالأول فالأول في الجميع، ويدل على ما قلناه قول الشيخ في المبسوط، ونقل ما ذكرناه عنه (1).
والمعتمد أن نقول: الموصى به إن كانت أشياء معينة متغايرة أو مطلقة ومعينة، فإنه يبدأ فيه بالأول فالأول، ولا يكون الثاني رجوعا عن الأول، سواء زاد الأول عن الثلث أو قصر عنه، وتكون الفائدة أنه لو أجاز الورثة الجميع نفذت الوصايا كلها. وإن اتحد المعينين كان الثاني رجوعا عن الأول، لامتناع اتحاد المالين في عين واحدة، والثانية ناسخة للأولى قطعا. وإن كانت أشياء مطلقة فإما أن يوجد قرينة تدل على الاتحاد أو على التغاير، أو لا يوجد قرينة تدل على أحدهما. فإن وجدت قرينة دالة على الاتحاد كان الثاني رجوعا