شريكا، ومن زعم أنه يعبد بالصفة لا بالإدراك فقد أحال على غائب، ومن زعم أنه يضيف الموصوف إلى الصفة فقد صغر بالكبير، وما قدروا الله حق قدره.
قيل له: فكيف سبيل التوحيد؟ قال:
باب البحث ممكن وطلب المخرج موجود، إن معرفة عين الشاهد قبل صفته، ومعرفة صفة الغائب قبل عينه.
قيل: وكيف يعرف عين الشاهد قبل صفته؟
قال: تعرفه وتعلم علمه، وتعرف نفسك به، ولا تعرف نفسك من نفسك، وتعلم أن ما فيه له وبه كما قالوا ليوسف: * (إنك لانت يوسف) * قال:
* (أنا يوسف وهذا أخي) * فعرفوه به ولم يعرفوه بغيره، ولا أثبتوه من أنفسهم بتوهم القلوب...
الحديث.
أقول: قد أوضحنا في ذيل قوله (عليه السلام):
المعرفة بالنفس أنفع المعرفتين - الرواية الثانية من الباب - أن الإنسان إذا اشتغل بآية نفسه وخلا بها عن غيرها انقطع إلى ربه من كل شئ، وعقب ذلك معرفة ربه معرفة بلا توسيط وسط، وعلما بلا تسبيب سبب، إذ الانقطاع يرفع كل حجاب مضروب، وعند ذلك يذهل الإنسان بمشاهدة ساحة العظمة والكبرياء عن نفسه، وأحرى بهذه المعرفة أن تسمى معرفة الله بالله.
وانكشف له عند ذلك من حقيقة نفسه أنها الفقيرة إلى الله سبحانه، المملوكة له ملكا لا تستقل بشئ دونه، وهذا هو المراد بقوله (عليه السلام):
تعرف نفسك به، ولا تعرف نفسك بنفسك من نفسك، وتعلم أن ما فيه له وبه.
وفي هذا المعنى ما رواه المسعودي في إثبات الوصية عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال في خطبة له: فسبحانك ملأت كل شئ وباينت كل شئ فأنت لا يفقدك شئ وأنت الفعال لما تشاء تباركت يا من كل مدرك من خلقه، وكل محدود من صنعه - إلى أن قال - سبحانك أي عين تقوم نصب بهاء نورك، وترقى إلى نور ضياء قدرتك، وأي فهم يفهم ما دون ذلك إلا أبصار كشفت عنها الأغطية، وهتكت عنها الحجب العمية، فرقت أرواحها على أطراف أجنحة الأرواح، فناجوك في أركانك، وولجوا بين أنوار بهائك، ونظروا من مرتقى التربة إلى مستوى كبريائك، فسماهم أهل الملكوت زوارا، ودعاه أهل الجبروت عمارا.
وفي البحار عن إرشاد الديلمي - وذكر بعد ذلك سندين لهذا الحديث - وفيه: فمن عمل برضائي ألزمه ثلاث خصال: اعرفه شكرا لا يخالطه الجهل، وذكرا لا يخالطه النسيان، ومحبة لا يؤثر على محبتي محبة المخلوقين، فإذا أحبني أحببته، وأفتح عين قلبه إلى جلالي، ولا أخفي عليه خاصة خلقي، وأناجيه في ظلم الليل ونور النهار حتى ينقطع حديثه مع المخلوقين ومجالسته معهم، وأسمعه كلامي وكلام ملائكتي، وأعرفه السر الذي سترته عن خلقي، وألبسه الحياء حتى يستحيي منه الخلق كلهم، ويمشي على الأرض مغفورا له، وأجعل قلبه واعيا وبصيرا، ولا أخفي عليه شيئا من جنة ولا نار، وأعرفه ما يمر على الناس في القيامة