الشبهات ويثور فيه الاختلاف.
وهذا بخلاف العلم النفساني بالنفس وقواها وأطوار وجودها فإنه من العيان، فإذا اشتغل الإنسان بالنظر إلى آيات نفسه، وشاهد فقرها إلى ربها، وحاجتها في جميع أطوار وجودها، وجد أمرا عجيبا، وجد نفسه متعلقة بالعظمة والكبرياء، متصلة في وجودها وحياتها وعلمها وقدرتها وسمعها وبصرها وإرادتها وحبها وسائر صفاتها وأفعالها بما لا يتناهى بهاء وسناء وجمالا وجلالا وكمالا من الوجود والحياة والعلم والقدرة، وغيرها من كل كمال.
وشاهد ما تقدم بيانه أن النفس الإنسانية لا شأن لها إلا في نفسها، ولا مخرج لها من نفسها، ولا شغل لها إلا السير الاضطراري في مسير نفسها، وأنها منقطعة عن كل شئ كانت تظن أنها مجتمعة معه مختلطة به إلا ربها المحيط بباطنها وظاهرها وكل شئ دونها، فوجدت أنها دائما في خلاء مع ربها وإن كانت في ملأ من الناس، وعند ذلك تنصرف عن كل شئ وتتوجه إلى ربها، وتنسى كل شئ وتذكر ربها، فلا يحجبه عنها حجاب ولا تستتر عنه بستر، وهو حق المعرفة الذي قدر لإنسان.
وهذه المعرفة الأحرى بها أن تسمى معرفة الله بالله، وأما المعرفة الفكرية التي يفيدها النظر في الآيات الآفاقية سواء حصلت من قياس أو حدس أو غير ذلك فإنما هي معرفة بصورة ذهنية عن صورة ذهنية، وجل الإله أن يحيط به ذهن أو تساوي ذاته صورة مختلقة اختلقها خلق من خلقه، ولا يحيطون به علما.
وقد روي في الإرشاد والاحتجاج على ما في البحار عن الشعبي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام له: إن الله أجل من أن يحتجب عن شئ أو يحتجب عنه شئ. وفي التوحيد عن موسى بن جعفر (عليه السلام) في كلام له: ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه، احتجب بغير حجاب محجوب، واستتر بغير ستر مستور، لا إله إلا هو الكبير المتعال. وفي التوحيد مسندا عن عبد الأعلى عن الصادق (عليه السلام) في حديث: ومن زعم أنه يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال فهو مشرك، لأن الحجاب والصورة والمثال غيره، وإنما هو واحد موحد، فكيف يوحد من زعم أنه يوحده بغيره؟! إنما عرف الله من عرفه بالله، فمن لم يعرفه به فليس يعرفه، إنما يعرف غيره... الحديث.
والأخبار المأثورة عن أئمة أهل البيت: في معنى ما قدمناه كثيرة جدا لعل الله يوفقنا لإيرادها وشرحها فيما سيأتي إن شاء الله العزيز من تفسير سورة الأعراف.
فقد تحصل أن النظر في آيات الأنفس أنفس وأغلى قيمة وأنه هو المنتج لحقيقة المعرفة فحسب، وعلى هذا فعده (عليه السلام) إياها أنفع المعرفتين لا معرفة متعينة إنما هو لأن العامة من الناس قاصرون عن نيلها، وقد أطبق الكتاب والسنة وجرت السيرة الطاهرة النبوية وسيرة أهل بيته الطاهرين على قبول من آمن بالله عن نظر آفاقي وهو النظر الشائع بين المؤمنين، فالطريقان نافعان جميعا، لكن النفع في طريق