" اعتقادنا في القضاء والقدر قول الصادق (عليه السلام) لزرارة حين سأله فقال: ما تقول في القضاء والقدر؟ قال: أقول: إن الله عز وجل إذا جمع العباد يوم القيامة سألهم عما عهد إليهم، ولم يسألهم عما قضى عليهم، والكلام في القدر منهي عنه كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لرجل قد سأله عن القدر: فقال:
بحر عميق فلا تلجه، ثم سأله ثانية فقال: طريق مظلم فلا تسلكه، ثم سأله ثالثة فقال: سر الله فلا تتكلفه. وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في القدر: ألا إن القدر سر من سر الله (1)، وحرز من حرز الله، مرفوع في حجاب الله، مطوي عن خلق الله، مختوم بخاتم الله، سابق في علم الله، وضع الله عن العباد علمه، ورفعه فوق شهاداتهم، لأنهم لا ينالونه بحقيقة الربانية، ولا بقدرة الصمدانية، ولا بعظمة النورانية، ولا بعزة الوحدانية، لأنه بحر زاخر مواج، خالص لله عز وجل، عمقه ما بين السماء والأرض، عرضه ما بين المشرق والمغرب، أسود كالليل الدامس، كثير الحيات والحيتان، تعلو مرة وتسفل أخرى، في قعره شمس تضئ، لا ينبغي أن يطلع عليها إلا الواحد الفرد، فمن تطلع عليها فقد ضاد الله في حكمه، ونازعه في سلطانه، وكشف عن سره وستره، وباء بغضب من الله، ومأواه جهنم، وبئس المصير.
وروي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) عدل من عند حائط مائل إلى مكان آخر، فقيل له: يا أمير المؤمنين تفر من قضاء الله؟ فقال (عليه السلام) أفر من قضاء الله إلى قدر الله. وسئل الصادق (عليه السلام) عن الرقى هل تدفع من القدر شيئا؟ فقال: هي من القدر ".
وقال الشيخ المفيد (رحمه الله) في شرح هذا الكلام:
" عمل أبو جعفر في هذا الباب على أحاديث شواذ لها وجوه تعرفها العلماء متى صحت وثبت إسنادها، ولم يقل فيه قولا محصلا، وقد كان ينبغي له لما لم يعرف للقضاء معنى أن يهمل الكلام فيه. والقضاء معروف في اللغة، وعليه شواهد من القرآن، فالقضاء على أربعة أضراب: أحدها الخلق، والثاني الأمر، والثالث الإعلام، والرابع القضاء بالحكم. فأما شاهد الأول فقوله تعالى:
* (فقضاهن سبع سماوات) * (2)، وأما الثاني فقوله تعالى: * (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه) * (3)، وأما الثالث فقوله تعالى: * (وقضينا إلى بني إسرائيل) * (4)، وأما الرابع فقوله: * (والله يقضي بالحق) * (5) يعني يفصل بالحكم بالحق بين الخلق، وقوله: * (وقضى بينهم بالحق) * (6). وقد قيل: إن للقضاء معنى خامسا وهو الفراغ من الأمر، واستشهد على ذلك بقول يوسف (عليه السلام): " قضي الأمر الذي فيه تستفتيان " (7) يعني فرغ منه، وهذا يرجع إلى معنى الخلق.
وإذا ثبت ما ذكرناه في أوجه القضاء بطل قول المجبرة: إن الله تعالى قضى بالمعصية على خلقه لأنه لا يخلو إما أن يكونوا يريدون به أن الله