والقوم بين قائل بأن الأجرام الكوكبية موجودات ذوات نفوس حية مريدة تفعل أفاعيلها بالعلية الفاعلية، وقائل بأنها أجرام غير ذات نفس تؤثر أثرها بالعلية الفاعلية، أو هي معدات لفعله تعالى وهو الفاعل للحوادث، أو أن الكواكب وأوضاعها علامات للحوادث من غير فاعلية ولا إعداد، أو أنه لا شئ من هذه الارتباطات بينها وبين الحوادث حتى على نحو العلامية وإنما جرت عادة الله على أن يحدث حادثة كذا عند وضع سماوي كذا.
وشئ من هذه الأحكام ليس بدائمي مطرد بحيث يلزم حكم كذا وضعا كذا فربما تصدق وربما تكذب، لكن الذي بلغنا من عجائب القصص والحكايات في استخراجاتهم يعطي أن بين الأوضاع السماوية والحوادث الأرضية ارتباطا ما، إلا أنه في الجملة لا بالجملة، كما أن بعض الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يصدق ذلك كذلك.
وعلى هذا لا يمكن الحكم البتي بكون كوكب كذا أو وضع كذا سعدا أو نحسا، وأما أصل ارتباط الحوادث والأوضاع السماوية والأرضية بعضها ببعض فليس في وسع الباحث الناقد إنكار ذلك.
وأما القول بكون الكواكب أو الأوضاع السماوية ذوات تأثير فيما دونها - سواء قيل بكونها ذوات نفوس ناطقة أو لم يقل - فليس مما يخالف شيئا من ضروريات الدين، إلا أن يقال بكونها خالقة موجدة لما دونها من غير أن ينتهي ذلك إليه تعالى فيكون شركا، لكنه لا قائل به حتى من وثنية الصابئة التي تعبد الكواكب، أو أن يقال بكونها مدبرة للنظام الكوني مستقلة في التدبير فيكون ربوبية تستعقب المعبودية فيكون شركا كما عليه الصابئة عبدة الكواكب.
وأما الروايات الواردة في تأثير النجوم سعدا ونحسا وتصديقا وتكذيبا فهي كثيرة جدا على أقسام:
منها: ما يدل بظاهره على تسليم السعادة والنحوسة فيها كما في الرسالة الذهبية عن الرضا (عليه السلام): اعلم أن جماعهن والقمر في برج الحمل أو الدلو من البروج أفضل، وخير من ذلك أن يكون في برج الثور لكونه شرف القمر.
وفي البحار عن النادر بإسناده عن حمران عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال: " من سافر أو تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى... " الخبر.
وفي كتاب النجوم لابن طاووس عن علي (عليه السلام): " يكره أن يسافر الرجال في محاق الشهر، وإذا كان القمر في العقرب ".
ويمكن حمل أمثال هذه الروايات على التقية على ما قيل، أو على مقارنة الطيرة العامة كما ربما يشعر به ما في عدة من الروايات من الأمر بالصدقة لدفع النحوسة كما في نوادر الراوندي بإسناده عن موسى بن جعفر عن أبيه عن جده في حديث: " إذا أصبحت فتصدق بصدقة تذهب عنك نحس ذلك اليوم، وإذا أمسيت فتصدق بصدقة تذهب عنك نحس تلك الليلة... " الخبر، ويمكن أن يكون ذلك لارتباط خاص بين الوضع