- عمرو بن شعيب - عن أبيه عن جده -:
أنهم ذكروا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجلا فقالوا:
لا يأكل حتى يطعم، ولا يرحل حتى يرحل له، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): اغتبتموه، فقالوا: يا رسول الله إنما حدثنا بما فيه؟! قال: حسبك إذا ذكرت أخاك بما فيه (1).
أقول: قال الشهيد الثاني رضوان الله عليه في ذكر أقسام الغيبة: لما عرفت أن المراد منها ذكر أخيك بما يكرهه منه لو بلغه أو الإعلام به أو التنبيه عليه، كان ذلك شاملا لما يتعلق بنقصان في بدنه أو نسبه أو خلقه أو فعله أو قوله أو دينه أو دنياه، حتى في ثوبه وداره، وقد أشار الصادق (عليه السلام) إلى ذلك أي في مصباح الشريعة بقوله: وجوه الغيبة تقع بذكر عيب في الخلق والفعل والمعاملة والمذهب والجهل وأشباهه، فالبدن كذكرك فيه العمش والحول والعور والقرع والقصر والطول والسواد والصفرة وجميع ما يتصور أن يوصف به مما يكرهه، وأما النسب بأن تقول: أبوه فاسق أو خبيث أو خسيس أو إسكاف أو حائك أو نحو ذلك مما يكرهه كيف كان، وأما الخلق بأن تقول:
إنه سئ الخلق بخيل متكبر مراء شديد الغضب جبان ضعيف القلب ونحو ذلك، وأما في أفعاله المتعلقة بالدين كقولك: سارق كذاب شارب خائن ظالم متهاون بالصلاة، لا يحسن الركوع والسجود، ولا يحترز من النجاسات، ليس بارا بوالديه، لا يحرس نفسه من الغيبة والتعرض لأعراض الناس، وأما فعله المتعلق بالدنيا كقولك: قليل الأدب، متهاون بالناس، لا يرى لأحد عليه حقا، كثير الكلام، كثير الأكل، نؤوم، يجلس في غير موضعه، ونحو ذلك، وأما في ثوبه كقولك: إنه واسع الكم طويل الذيل، وسخ الثياب، ونحو ذلك.
واعلم أن ذلك لا يقصر على اللسان، بل التلفظ به إنما حرم لأن فيه تفهيم الغير نقصان أخيك وتعريفه بما يكرهه، فالتعريض كالتصريح، والفعل فيه كالقول والإشارة والإيماء والغمز والرمز والكنية والحركة، وكل ما يفهم المقصود داخل في الغيبة، مساو للسان في المعنى الذي حرم التلفظ به لأجله، ومن ذلك ما روي عن عائشة أنها قالت: دخلت علينا امرأة فلما ولت أومأت بيدي أي قصيرة، فقال (صلى الله عليه وآله): اغتبتيها.
ومن ذلك المحاكاة بأن تمشي متعارجا أو كما يمشي فهو غيبة، بل أشد من الغيبة، لأنه أعظم في التصوير والتفهيم، وكذلك الغيبة بالكتاب فإن الكتاب - كما قيل - أحد اللسانين ومن ذلك ذكر المصنف شخصا معينا وتهجين كلامه في الكتاب إلا أن يقترن به شئ من الأعذار المحوجة إلى ذكره كمسائل الاجتهاد التي لا يتم الغرض من الفتوى وإقامة الدلائل على المطلوب إلا بتزييف كلام الغير ونحو ذلك، ويجب الاقتصار على ما تندفع به الحاجة في ذلك، وليس منه قوله: قال قوم كذا ما لم يصرح بشخص معين، ومنها أن يقول الإنسان: بعض من مر بنا اليوم أو بعض من رأيناه حاله كذا إذا كان المخاطب يفهم منه شخصا معينا، لأن المحذور تفهيمه دون ما به التفهيم،