أحد الوجوه الأخرى.
التاسع: قيل: إذا علم اثنان من رجل معصية شاهداها فأجرى أحدهما ذكرها في غيبة ذلك العاصي جاز، لأنه لا يؤثر عند السامع شيئا، وإن كان الأولى تنزيه النفس واللسان عن ذلك لغير غرض من الأغراض المذكورة، خصوصا مع احتمال نسيان المقول له لذلك المعصية، أو خوف اشتهارها عنهما.
العاشر: إذا سمع أحد مغتابا لآخر وهو لا يعلم استحقاق المقول عنه للغيبة ولا عدمه، قيل:
لا يجب نهي القائل، لإمكان استحقاق المقول عنه، فيحمل فعل القائل على الصحة ما لم يعلم فساده، لأن ردعه يستلزم انتهاك حرمته، وهو أحد المحرمين، والأولى التنبيه على ذلك إلى أن يتحقق المخرج عنه، لعموم الأدلة وترك الاستفصال فيها، وهو دليل إرادة العموم حذرا من الإغراء بالجهل، ولأن ذلك لو تم لتمشى فيمن يعلم عدم استحقاق المقول عنه بالنسبة إلى السامع، لاحتمال اطلاع القائل على ما يوجب تسويغ مقاله، وهو هدم قاعدة النهي عن الغيبة، وهذا الفرد يستثنى من جهة سماع الغيبة وقد تقدم أنه إحدى الغيبتين.
وبالجملة: فالتحرز عنها من دون وجه راجح في فعلها فضلا عن الإباحة أولى، لتتسم النفس بالأخلاق الفاضلة، ويؤيده إطلاق النهي فيما تقدم لقوله (صلى الله عليه وآله): " أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره "، وأما مع رجحانها كرد المبتدعة، وزجر الفسقة، والتنفير عنهم، والتحذير من اتباعهم، فذلك يوصف بالوجوب مع إمكانه فضلا من غيره، والمعتمد في ذلك كله على المقاصد، فلا يغفل المتيقظ عن ملاحظة مقصده وإصلاحه، والله الموفق. انتهى ملخص كلامه نور الله ضريحه (1).
وقال الشهيد رفع الله درجته في قواعده:
الغيبة محرمة بنص الكتاب العزيز والأخبار، وهي قسمان: ظاهر وهو معلوم وخفي وهو كثير، كما في التعريض مثل: أنا لا أحضر مجلس الحكام، أنا لا آكل أموال الأيتام أو فلان، ويشير بذلك إلى من يفعل ذلك، أو الحمد لله الذي نزهنا عن كذا يأتي به في معرض الشكر ومن الخفي الإيماء والإشارة إلى نقص في الغير وإن كان حاضرا، ومنه لو فعل كذا كان خيرا، ولو لم يفعل كذا لكان حسنا، ومنه التنقص بمستحق الغيبة لينبه به على عيوب آخر غير مستحق للغيبة، أما ما يخطر في النفس من نقائص الغير فلا يعد غيبة، لأن الله تعالى عفا عن حديث النفس، ومن الأخفى أن يذم نفسه بطرائق غير محمودة فيه أوليس متصفا بها لينبه على عورات غيره، وقد جوزت صورة الغيبة في مواضع سبعة:
الأول: أن يكون المقول فيه مستحقا لذلك، لتظاهره بسببه، كالكافر والفاسق المتظاهر، فيذكره بما هو فيه لا بغيره، ومنع بعض الناس من ذكر الفاسق وأوجب التعزير بقذفه بذلك الفسق، وقد روى الأصحاب تجويز ذلك، قال العامة:
حديث لا غيبة لفاسق أو في فاسق لا أصل له،