الخوف على إفشاء البدعة وسراية الفسق، وذلك موضع الغرور والخديعة من الشيطان، إذ قد يكون الباعث لك على ذلك هو الحسد له على تلك المنزلة فيلبس عليك الشيطان ذلك بإظهار الشفقة على الخلق... ولتقتصر على العيب المنوط به ذلك الأمر، فلا تذكر في عيب التزويج ما يخل بالشركة أو المضاربة أو السفر مثلا، بل تذكر في كل أمر ما يتعلق بذلك الأمر، ولا تتجاوزه قاصدا نصح المستشير لا الوقيعة، ولو علم أنه يترك التزويج بمجرد قوله: لا يصلح لك، فهو الواجب، فإن علم أنه لا ينزجر إلا بالتصريح بعيبه فله أن يصرح به، قال النبي (صلى الله عليه وآله): " أترعوون عن ذكر الفاجر حتى يعرفه الناس؟ اذكروه بما فيه يحذره الناس "، وقال (صلى الله عليه وآله) لفاطمة بنت قيس حين شاورته في خطابها: " أما معاوية فرجل صعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه.
الخامس: الجرح والتعديل للشاهد والراوي، ومن ثم وضع العلماء كتب الرجال وقسموهم إلى الثقات والمجروحين، وذكروا أسباب الجرح غالبا، ويشترط إخلاص النصيحة في ذلك كما مر، بأن يقصد في ذلك حفظ أموال المسلمين وضبط السنة وحمايتها عن الكذب، ولا يكون حامله العداوة والتعصب وليس له إلا ذكر ما يحل بالشهادة والرواية منه، ولا يتعرض لغير ذلك مثل كونه ابن ملاعنة وشبهة، إلا أن يكون متظاهرا بالمعصية كما سيأتي.
السادس: أن يكون المقول فيه مستحقا لذلك لتظاهره بسببه، كالفاسق المتظاهر بفسقه، بحيث لا يستنكف من أن يذكر بذلك الفعل الذي يرتكبه، فيذكر بما هو فيه لا بغيره، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " من ألقى جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة له "، وظاهر الخبر جواز غيبته وإن استنكف عن ذكر ذلك الذنب، وفي جواز اغتياب مطلق الفاسق احتمال ناش من قوله (صلى الله عليه وآله): لا غيبة لفاسق، ورد بمنع أصل الحديث، أو بحمله على فاسق خاص، أو بحمله على النهي وإن كان بصورة الخبر، وهذا هو الأجود إلا أن يتعلق بذلك غرض ديني ومقصد صحيح يعود على المغتاب بأن يرجو ارتداعه عن معصيته بذلك، فيلحق بباب النهي عن المنكر.
السابع: أن يكون الإنسان معروفا باسم يعرب عن غيبته كالأعرج والأعمش فلا إثم على من يقول ذلك، كأن يقول: روى أبو الزناد الأعرج وسليمان الأعمش وما يجري مجراه، فقد نقل العلماء ذلك لضرورة التعريف، ولأنه صار بحيث لا يكرهه صاحبه لو علمه بعد أن صار مشهورا به، والحق أن ما ذكره العلماء المعتمدون من ذلك يجوز التعويل فيه على حكايتهم، وأما ما ذكره عن الأحياء فمشروط بعلم رضا المنسوب إليه لعموم النهي، وحينئذ يخرج عن كونه غيبة، وكيف كان فلو وجد عنه معدلا وأمكنه التعريف بعبارة أخرى فهو أولى، ولذلك يقال للأعمى:
البصير عدولا عن اسم النقص.
الثامن: لو اطلع العدد الذين يثبت بهم الحد أو التعزير على فاحشة جاز ذكرها عند الحكام بصورة الشهادة في حضرة الفاعل وغيبته، ولا يجوز التعرض لها في غير ذلك إلا أن يتجه فيه