من ملكوت قدرته، وعجائب ما نطقت به آثار حكمته... ما دلنا باضطرار قيام الحجة له على معرفته، فظهرت البدائع التي أحدثتها آثار صنعته، وأعلام حكمته، فصار كل ما خلق حجة له ودليلا عليه (1).
(انظر) الدعاء: باب 1198 حديث 5619.
قال العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان تحت عنوان " بحث في حكمته تعالى ومعنى كون فعله مقارنا للمصلحة ": الحركات المتنوعة المختلفة التي تصدر منا إنما تعد فعلا لنا إذا تعلقت نوعا من التعلق بإرادتنا، فلا تعد الصحة والمرض والحركة الاضطرارية بالحركة اليومية أو السنوية مثلا أفعالا لنا، ومن الضروري أن إرادة الفعل تتبع العلم برجحانه والإذعان بكونه كمالا لنا، بمعنى كون فعله خيرا من تركه ونفعه غالبا على ضرره، فما في الفعل من جهة الخير المترتب عليه هو المرجح له، أي هو الذي يبعثنا نحو الفعل، أي هو السبب في فاعلية الفاعل منا، وهذا هو الذي نسميه غاية الفاعل في فعله، وغرضه من فعله وقد قطعت الأبحاث الفلسفية أن الفعل بمعنى الأثر الصادر عن الفاعل إراديا كان أو غير إرادي لا يخلو من غاية.
وكون الفعل مشتملا على جهة الخيرية المترتبة على تحققه هو المسمى بمصلحة الفعل، فالمصلحة التي يعدها العقلاء - وهم أهل الاجتماع الإنساني - مصلحة هي الباعثة للفاعل على فعله، وهي سبب إتقان الفعل الموجب لعد الفاعل حكيما في فعله، ولولاها لكان الفعل لغوا لا أثر له.
ومن الضروري أن المصلحة المترتبة على الفعل لا وجود لها قبل وجود الفعل، فكونها باعثة للفاعل نحو الفعل داعية له إليه إنما هو بوجودها علما لا بوجودها خارجا، بمعنى أن الواحد منا عنده صورة علمية مأخوذة من النظام الخارجي بما فيه من القوانين الكلية الجارية والأصول المنتظمة الحاكمة بانسياق الحركات إلى غاياتها والأفعال إلى أغراضها وما تحصل عنده بالتجربة من روابط الأشياء بعضها مع بعض، ولا ريب أن هذا النظام العلمي تابع للنظام الخارجي مترتب عليه.
وشأن الفاعل الإرادي منا أن يطبق حركاته الخاصة المسماة فعلا على ما عنده من النظام العلمي، ويراعي المصالح المتقررة فيه في فعله ببناء إرادته عليها، فإن أصاب في تطبيقه الفعل على العلم كان حكيما في فعله متقنا في عمله، وإن أخطأ في انطباق العلم على المعلوم الخارجي وإن لم يصب لقصور أو تقصير لم يسم حكيما، بل لاغيا وجاهلا ونحوهما.
فالحكمة صفة الفاعل من جهة انطباق فعله على النظام العلمي المنطبق على النظام الخارجي، واشتمال فعله على المصلحة هو ترتبه على الصورة العلمية المترتبة على الخارج، فالحكمة بالحقيقة صفة ذاتية للخارج، وإنما يتصف الفاعل أو فعله بها من جهة انطباق الفعل