ورابعها: أن من جملة صور المسألة: ما لو كان الفساد من عدم العوض، كما لو قال: آجرتك، أو زارعتك، أو بعتك، أو صالحتك، أو نحو ذلك من عقود المعاوضة بلا عوض، فإنه لا وجه حينئذ بالضمان، لأنه صريح في الدفع المجاني والرخصة في الإتلاف، وكذا إذا ذكر عوضا لا مالية له - كالحشرات - فإنه أيضا كذلك، فكيف تقولون بالضمان؟
والجواب: أن فيما إذا كان قد ذكر العوض الغير القابل، فوجه الضمان واضح، نظرا إلى أن الدفع بإزاء (1) هذا العوض وإن لم يصلح عوضا، مكان الدفع على طريق ضمان في نظره، لا على سبيل المجان حتى لو كان عالما بعدم قابلية العوضية أيضا، إذ دعوى عدم تعقل تقييد (2) الدفع بالعوض مع العلم بالفساد ممنوعة، بل ليس ذلك إلا كالتشريع في العبادات مع العلم بعدم الأمر، فيدفعه على أن يكون هذا معاوضة وإن علم بأنه لا يصير شرعا.
وأما إذا لم يذكر العوض ففيه الكلام من وجهين:
أحدهما: بعد العلم بقصده، وهو إما بإرادة الدفع المجاني وهو خارج عن محل البحث والعبارة لاغية، وإما بإرادة الدفع على أن يكون هذا بيعا أو إجارة أو مزارعة مثلا، لكنه بلا عوض، وحينئذ نقول: إنه لم يرخص على التلف مجانا مطلقا، بل على تقدير كون ذلك إجارة مثلا، والفرض أنه لا يتحقق، فالاتلاف غير جائز.
وثانيهما: أن مع عدم العلم بقصده هل المستفاد من العبارة أي شئ؟ فإن ظاهر (آجرتك) - مثلا - يقتضي العوض، وظاهر (بلا اجرة) يقتضي كونه قصد العارية فيتعارضان، وهو خارج عن محل البحث.
هذا هو الكلام في عقود المعاوضة.
وأما ما عداها - كالهبة بلا عوض والوقف والسكنى والتحبيس والعارية