هو الواضح عند من تدبر - فلا أقل من المساواة في بعض وعلو الإسلام في آخر، فالخبر دل على الأخبار عن عدم علو الكفر على الإسلام في وقت من الأوقات، ولازمه الكذب، لأنا نرى في زماننا هذا وما قبله قوة الكفار ومقهورية المسلمين.
فلا وجه لحمل هذا الخبر على الأخبار بعد ما ذكرناه من وجه الدلالة. كما لا وجه لحمله على علو الشرف بالقرائن التي ذكرناها، فانحصر الطريق في حمل الخبر على الإنشاء المطابق لمنصب الشارع وجعله لبيان الحكم وإرادته أن الإسلام حكمه العلو وتسليط على غيره، وليس لغيره التسلط عليه، ولا ريب أن علو الإسلام عبارة عن علو المسلمين، فيكون المراد: أن المسلم يتسلط على الكافر والكافر لا يتسلط عليه في الشرع، بمعنى: أن الحكم الشرعي ذلك.
ومن هنا يظهر لمن تدبر: أن الفقرة الثانية ليست تأكيدا صرفا، لأن الأولى لم تدل على الدوام، والثانية دلت على ذلك، ويكون السبب في هذا التعبير: أن المسلمين يتسلطون على الكفار في الشرع، لكن لا كلية، بل على حسب ما قرر من قواعد الشرع، ولكن الكفار لا يتسلطون على المسلم في شئ من المقامات أصلا بحكم الشرع.
هكذا ينبغي أن يحقق المقام، وإن خلج في بالك احتمالات أخر رافعة للأشكال الذي أوردناه على الرواية على المعنى الأخباري فلسنا غافلين عن ذلك (1) لكن أعرضنا عنها لوضوح المرام، وقرب ما ذكرناه إلى الفهم من بين تلك الاحتمالات وسلامتها عن التفكيك والتخريج، وانطباقه على المدعى أشد انطباق كما بيناه، فتدبر جدا، وإنما الإشكال في تخريج وجه الدلالة في أول الأمر، والصرف عن علو غيره علوه دائما بقرينة المقابلة وعدم ملحوظية المساواة في المقام بالمرة - الظاهر، وقد أوضحنا لك سبيله (2) وأسسنا بنيانه.
وهنا بحثان:
أحدهما: أن يقال: إنه يحتمل أن يكون المراد بالرواية: أن الإسلام يعلو في الحجة والبرهان، بمعنى: أن أهل الملل لو أرادوا إبطال دين الإسلام بالحجج والبراهين يعلو عليهم المسلمون في إقامة الحجة وإثبات الإسلام ولا يعلو عليهم