تعليق أصلا، وحيث قد تقرر أنه علة للمنشأ لا يتخلف وجوده عن وجوده، فحيث لا منشأ فلا إنشاء، كما هو الواضح عند الوجدان والمعلوم من معناه عرفا ولغة، وقد ثبت أيضا بالاتفاق أن معنى الأمر - مثلا - وصيغ العقود هو الإنشاء، وقد مر أن تسميته بذلك باعتبار حصول معناه به، ظهر أنه لا بد من حصول الطلب عند قولك:
(اضرب) والنقل والملكية عند قولك: (بعت) عرفا، وإلا لزم إما عدم الإنشاء، أو تخلف المعلول عن العلة التامة، والأول خلاف الفرض، والثاني ممتنع عقلا بعد فرض كونه علة.
وما يقال: إنه لا ريب في صحة قولنا: (أكرم زيدا إن جاءك) فكيف علق الطلب على المجئ؟ وهم، لأن الطلب لا ريب في حصوله عند الخطاب، وإنما المجئ قيد للمطلوب وظرف له وهو الإكرام، فالطلب مطلق والمطلوب مقيد، مثل قولك: (أريد منك مجيئك غدا) فالطالب طالب الان والمطلوب مفروض غدا لأنه ظرفه، والمخاطب مطلوب منه الان مجيئه غدا، كما هو ظاهر العرف.
قيل: يلزم عدم الفرق بين (أكرم إن جاءك) و (أكرم وقت مجيئه إياك).
قلنا: كذلك بحسب المعنى، والفرق صوري، وكلاهما يراد به الإكرام المقيد، لا تقييد الإرادة، ولو فهم منه الثاني كان بمنزلة الخبر عن إرادته ذلك الوقت، وضرورة اللسان قاضية بالفرق.
قيل: المفهوم عرفا من المثال تعليق التكليف لا المكلف به، وهو الحجة.
قلنا: إن أردت من التكليف الطلب فهو ممنوع جدا، إذ لا يقال في العرف: إنه ليس بطالب لإكرام وقت المجئ، بل يقال: إنه طالب له، وإن أردت الوجوب فهو مسلم ولا نزاع فيه، لأنه صفة للمطلوب يتقيد بتقيده، كما قررناه من أنه في المثال يحصل طلب وطالب ومطلوب منه حالا لمطلوب في زمانه، كما أن في الإجارة المفروضة يحصل تسليط وتسلط بالفعل لمنفعة في ظرف وجودها.
قيل: يلزمه سقوط التكليف عند عدم وجود الشرط، مع أن الوجدان قاض بأنه عدم ثبوت لا سقوط.