العقود - وقد أشرنا إلى ذلك في بحث المتعلقات (1) - وإن كان يمكن أن يقال: إن كون ذلك من باب الغرر لا يستلزم جوازه في الصلح، إذ الغرر منهي عنه مطلقا، خرج في الصلح الغرر والجهالة التي تؤول إلى العلم بمعنى: المعلوم واقعا المجهول ظاهرا، وأما الجهالة التي لا تؤول إلى العلم - كالفرد المردد الذي لا واقع له معين - فهو غير جائز في الصلح أيضا.
وبعبارة أخرى: عدم جوازه في الصلح لا يدل على أن العلة في بطلانه ليس كونه غرريا، إذ لعل ذلك للغرر وهذا الغرر غير جائز في الصلح أيضا، وهذا كلام موجه.
ولكن البحث في بيان كيفية الغرر في ذلك، وقد مر أن في القيمي لا كلام في كونه غررا لاختلاف القيم وأما في المثلي: فنقول أيضا كذلك، لأنه بعد ما أثبتنا أن الكلي المتأصل غير ملحوظ حتى يتعين بكليته ومفهوم (أحدهما) غير قابل للتمليك، فيرجع الفرض إلى الخصوصية وهي وإن فرضت متماثلة لا يتفاوت بالمالية، لكن تخير (2) البائع - مثلا - في دفع أي منهما شاء خطر على المشتري، لأنه لا يدري أن أيا منهما حصل له في إزاء عوضه، وليس غرضه الكلي حتى لا يلتفت إلى الفرد ويقول: إن أيا منهما حصل لا بأس به لأني أطلب منه الكلي، بل غرضه الخصوصية، ولا يدري ما حصل له منهما، فهو اقدام على أمر غير معين، مضافا إلى أن مدخلية الخصوصية تؤدي إلى اختلاف الرغبة، فإن الأغراض لا تنضبط، ولا ينحصر الغرض في مراعاة المالية، فقد يؤدي غرض البائع إلى دفع أحدهما ويؤدي غرض المشتري إلى أخذ الاخر، ولا يرد هذا البحث في الكلي، إذ المشتري بإقدامه على الكلي بنفسه قطع النظر عن الخصوصية، بخلاف المقام.
وبالجملة: الفرق بين المقام وبين الكلي في المثلي بحيث يوجب صدق الغرر والخطر هنا دون بيع الكلي خفي يحتاج إلى تأمل تام.