فكيف يمكن أن يقال بتعارض دليل الشرط مع إطلاق الكتاب والسنة القاضيين بالوجوب والتحريم؟ وعلى فرض الإمكان فقد يتفق فيهما أيضا ما ثبت عدم جواز تبدله بالشرط، فلم لا يكون داخلا في مخالف الكتاب؟ فتبصر.
والذي يقتضيه النظر أن يقال: إن المتبادر من مخالفة الكتاب والسنة: مخالفة ما ثبت منهما بالخصوص على نحو نعلم أن الحكم كذلك من دون تعلقه واشتراطه بشئ آخر، وهذه العبارة ليست إلا كقوله: (أطع أباك إلا فيما خالف الشرع) أو قول الرجل لصديقه: (إني أطيعك واسمع قولك إلا فيما خالف أمر الله) فإن معناه:
أن أمر الأب أو المولى أو الصديق مثلا أيضا من الملزمات، سواء كان بإلزام الشرع أو بالتزام المكلف بنفسه، ويكون المراد: أن مع قطع النظر عن أمر الامر ونهيه يلاحظ الشرع، فإن كان للشارع أمر ونهي وجعل في هذه الواقعة فالمتبع ذلك، وإن كان الشارع رخص في ذلك أو سكت ولم يحكم بأحد الطرفين فالمتبع في ذلك آمرك، فكذا في الشرط، فإن مقتضى الدليل أن الشرط أيضا من الملزمات لأحد الطرفين، إما الفعل أو الترك، فإن كان هناك للشارع حكم بأحد الطرفين إلزاما فلا عبرة بالشرط لو خالفه (1) كتعارض إطاعة المولى والأب مع إطاعة الشارع، وإن لم يكن كذلك فالمتبع الشرط، وهذا واضح لا إشكال فيه.
فنقول: أما الأحكام الشرعية وضعية أو تكليفية لو اشترط تغيرها عما هي عليها - كاشتراط حرمة الماء، أو حل شرب [خمر] (2) أو عدم ضمان الغاصب، أو عدم كون البيع مملكا ونحو ذلك - فلا ريب في بطلانه، ولا يحتاج إلى إدراجه في مخالفة الكتاب والسنة، بل ليس معنى المخالفة مثل ذلك، إذ الأحكام ليست في قدرة المكلفين، وشرط أمر غير مقدور باطل، إذ الشرط يجب الوفاء به كالعقد، ولا يشمل دليل الشرط مثل ذلك حتى يحتاج إلى الاستثناء، وهذا مما لا يتفوه به أجنبي عن الفن فضلا عن فقيه (3). وأي معنى لقولك: (بعتك وشرطت أن لا تكون