وثانيها: أن اشتراط كون الخمر حلالا والماء حراما - ونحو ذلك - لا دخل له في الشروط في ضمن العقود، فإن ذلك مبني على غرض المتعاقدين، وتغير الأحكام، لا غرض للمتعاقدين، وفهم اشتراط تغير الأحكام من قوله: (إلا ما خالف الكتاب والسنة) في غاية البعد. وسيجئ لهذا الكلام تتميم بعيد ذلك.
وثالثها: أن ظاهر كلامه أن المراد من المخالفة هو المخالفة بالمطابقة دون ما يخالفهما بالتلازم ونحو ذلك، ولا ريب أن اشتراط عدم التصرف في المال أيضا مخالف للكتاب والسنة، فإن مقتضاهما تصرف المالك في ملكه.
وقوله: إن عدم التصرف غير مناف. قلت (1): فيه إن عدم تصرفه بطريق اللزوم مناف لذلك، والمقصود بالشرط إلزام عدم التصرف لاعدم التصرف ولو اختيارا.
ولا وجه لقوله: فإن إلزام الشارع يقتضيه، لأن كل حكم ثابت بالشرط إنما يقتضيه إلزام الشرع (2)، وإلا فالشرط لا يثبت حكما، فلو قال: بشرط أن لا يطأ الزوجة أو لا يتسرى عليها - أو نحو ذلك - لكان الحكم المنافي هنا أيضا لالزام الشرع، فإن ما ثبت من الشرع هو جواز الوطئ والتسري، وعدمهما لا ينافي جوازهما، مع أنهم عدوهما من الشرط المخالف للكتاب والسنة.
ورابعها: أن إخراج شرط ترك الواجب أو فعل المحرم من مخالف الكتاب والسنة بديهي الفساد، لأن الواجب والمحرم إن كان دليلهما اقتضى الوجوب والحرمة مطلقا بحيث لا يمكن اشتراط خلافة - بمعنى عدم تبدل الحكم به - فيصير الشرط مخالفا للكتاب والسنة - مثل الطلاق - قطعا، وإن لم يكن كذلك فيتعارض الدليلان كما ذكره، لكن الفرض: أن دليل الشرط مقيد بعدم مخالفتهما، فكيف يعقل التعارض؟ فأينما وقع التعارض ابتداءا ظهر بطلان الشرط، لأنه داخل في مخالف الكتاب. نعم، لو كان عموم الأمر والنهي أيضا مقيدا بما إذا لم يشترط في البيع خلافه لزم التكافؤ بين المتخالفين، والفرض أنه ليس كذلك،