التتبع والاستقراء والدليل التفصيلي، وربما يفهم من ذلك أنه لا يرجح أحد الجانبين ما لم يكن هناك دليل يدل على أحدهما، ولو كان هناك ضابط لبينوه، سيما مع ما نراهم من التردد في بعض المقامات من جهة ترددهم في كون هذا الأمر مما يشترط فيه المباشرة، أم لا، ولا يذكرون أن الأصل والقاعدة مع أحد الجانبين.
ويمكن أن يقال: إن الأصل عدم الجواز، لوجوه:
أحدها: أصالة عدم ترتب الأثر الشرعي عليه في عبادة أو معاملة أو عقد أو إيقاع، فإن ذلك المشكوك لو صدر من المباشر قطع بدخوله تحت الأدلة وترتب (1) عليه الآثار المجعولة في الدنيا أو في الآخرة، بخلاف ما لو فعل غيره، فإن ذلك مشكوك فيه، والأصل عدم الترتب.
وثانيها: استصحاب بقاء شغل الذمة، أو بقاء الأمر المتعلق بذلك الفعل على ما كان عليه سابقا، وهو بمنزلة ما ذكرناه من أصالة عدم ترتب الأثر.
وثالثها: أن الوكالة من العقود المعروفة، والأصل الأولي فيه الفساد حتى يثبت بالدليل، ولم يقم على صحته دليل في سوى ما علم جواز النيابة فيه، فما لم يعلم ذلك لا دليل على صحته، فيبقى تحت أصالة الفساد.
ورابعها: أن الظاهر من فتاوى الأصحاب إنما هو الإجماع على عدم الجواز إلا فيما كان هناك دليل، ولذلك يحتاجون في إثبات الجواز إلى دليل، ومن هنا ذكروا موارد الجواز وعللوها بتعليلات موجبة للصحة، وظاهر ذلك أن ما لم يثبت الجواز فهم بانون في ذلك على العدم (2).
وخامسها: أن الظاهر من الأوامر الشرعية - كما ذكرناه في العبادات - هو المباشرة بمقتضى اللغة والعرف، فيكون ذلك قيدا، وما لم يعمل مباشرة لم يتحقق به الامتثال في المطلوبات الشرعية، واجبة كانت أو مستحبة، عينية أو كفائية.