وثالثها: الاستقراء، وهو أنا بعد ما تتبعنا وجدنا أن الغالب في الأفعال جواز الاستنابة والوكالة، كما علم ذلك مما ذكرناه من الموارد، فمتى ما شك في كون الفرد المبحوث عنه مما يجوز فيه ذلك أو لا يجوز فالظن يلحقه بالغالب من الجواز.
ولكن الظاهر من كلام الأصحاب الاتفاق على أن ما شك فيه لا يحكم بجواز النيابة والوكالة، لأصالة عدم ترتب الأثر، وهو مقتضى ما قررناه سابقا: من أن الأصل في الأوامر المباشرة وهي قيد لا مورد، خلافا للبعض، وقد قام الإجماع على أن ما لا تجوز فيه النيابة لا تجوز فيه الوكالة فتصير هذه العبارة - التي هي مورد الإجماع - بمنزلة الخبر المخصص لعموم (أوفوا بالعقود) إن قلنا بدلالته على مثل هذا المقام، وإن لم ترد هذه العبارة في نص.
ولو كان في أدلة الوكالة دليل عام أيضا ينصرف إلى ما تجوز فيه النيابة أو يتخصص بالإجماع المذكور والاستقراء بنفسه - بعد البناء على هذا الإجماع - لا ينفع في شئ، مع أن الغلبة المعتد بها بحيث يندر مقابلها غير معلومة.
فالمصير إلى عدم الجواز إلا فيما علم جواز النيابة فيه أشبه. ويبقى الكلام في بيان أن ذلك في أي مقام ثبت وفي أي مقام لم يثبت، وهو كلام آخر.