الأشياء التي لا تقع موردا للعقود الاخر، ولا كلام فيها أيضا في خصوص أعمية الصلح في الجملة، بمعنى: أن من الأعيان والمنافع ما هو غير قابل للبيع والإجارة، وهو قابل للصلح، لكن لا ريب أن ذلك ليس فيما هو مطمح نظرنا من ملاحظة أصل القابلية، بل ذلك بحسب العوارض، كالمجهول ونحوه.
وبعبارة أخرى: أعمية الصلح في الأعيان والمنافع عنهما إنما هي في اختلاف الصفات، لا أن شيئا غير قابل للبيع بالذات قد يكون قابلا للصلح، وقد أشرنا سابقا في الضابط (1): أن عقود المعاوضات كلها مبنية على اعتبار عوض مالي له قيمة مع وجود النفع المحلل المقصود عند العقلاء، كما أشار إلى هذا الضابط المحقق الثاني في شرح القواعد في كتاب البيع (2) ويوافقه التتبع. والصلح من عقود المعاوضات، كما نص عليه المحقق الثاني (3) حتى أن قيامه مقام الإبراء أيضا لا يكون إلا بصورة معاوضة، كقولك: صالحتك عن عشرة بخمسة.
وأما في الحقوق: فهل هو أيضا كذلك - بمعنى: أن كل حق ثبت جواز إسقاطه والإبراء عنه يجوز كونه موردا للصلح - أو لا، بل يجوز أن يكون من الحقوق ما لا يسقط بالإسقاط، ولكن يمكن الصلح عليه ويلزم؟
وتفصيل الكلام: أن الحقوق، منها: ما علم بالإجماع والضرورة أنه غير قابل للسقوط، لا بصلح ولا بغيره، كحق استمتاع الزوج عن الزوجة، فإنه لا يسقط بإسقاطه، وكذا لو صالح عنه، بل له الاستمتاع متى شاء. وكذا حتى السبق في باب الرماية، فإنه إذا أصاب أحدهما أزيد من الاخر ولم يتم النضال فلا يجوز الصلح على إسقاط الزائد - كما نص عليه في الروضة (4) - لمنافاته لمشروعية المعاملة، أو للإجماع.