القلب، ويدلك على ذلك قول الله تبارك وتعالى:
* (ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) * (1) وما به الإنذار والتخويف هو هذا العلم وهذا الفقه دون تفريعات الطلاق واللعان والسلم والإجارة، فذلك لا يحصل به إنذار ولا تخويف، بل التجرد له على الدوام يقسي القلب وينزع الخشية منه كما يشاهد من المتجردين له، قال الله تعالى: * (لهم قلوب لا يفقهون بها) * (2) وأراد به معاني الإيمان دون الفتاوى، ولعمري الفقه والفهم في اللغة اسمان لمعنى واحد، وإنما يتكلم في عادة الاستعمال قديما وحديثا، وقال تعالى: * (لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون) * (3) فأحال قلة خوفهم من الله عز وجل واستعظامهم سطوة الخلق على قلة الفقه، فانظر أكان ذلك نتيجة عدم الحفظ لتفريعات الفتاوى والأقضية، أو هو نتيجة عدم ما ذكرناه من العلوم؟
وقد قال (صلى الله عليه وآله): " علماء حكماء فقهاء " (4) للذين وفدوا عليه، وقال (صلى الله عليه وآله): " ألا أنبئكم بالفقيه كل الفقيه؟ قالوا: بلى، قال (صلى الله عليه وآله): " من لم يقنط الناس من رحمة الله - سبحانه - ولم يؤمنهم من مكر الله - عز وجل - ولم يؤيسهم من روح الله - عز وجل - ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى ما سواه " (5).
وقال (صلى الله عليه وآله): " لا يفقه العبد كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله عز وجل، وحتى يرى للقرآن وجوها كثيرة " (6).
وروي أيضا موقوفا على أبي الدرداء مع قوله (صلى الله عليه وآله) " ثم يقبل على نفسه فيكون لها أشد مقتا " (7).
وقال بعض السلف: إنما الفقيه الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، البصير بدينه، المداوم على عبادة ربه (8) الورع الكاف نفسه عن أعراض المسلمين، العفيف عن أموالهم، الناصح لجماعتهم. ولم يقل في جميع ذلك: الحافظ لفروع الفتاوى، ولست أقول: إن اسم الفقه لم يكن متناولا للفتاوى في الأحكام الظاهرة، ولكن كان بطريق العموم والشمول أو بطريق الاستتباع،