أي مالا، وبأنه (صلى الله عليه وآله) توفي على أكمل حالاته، وهو موسر بما أفاء الله عليه وبأن الغني وصف للحق، وحديث: " أكثر أهل الجنة الفقراء "، إخبار عن الواقع، كما يقال: أكثر أهل الدنيا الفقراء، وأما تركه الطيبات، فلأنه لم يرض أن يستعجل من الطيبات.
وأجاب الآخرون بأنه إيماء إلى أن علة الدخول الفقر، وتركه الطيبات يدل على فضل الفقر، واستعاذته من الفقر معارض باستعاذته من الغنى، ولا نزاع في كون المال خيرا بل في الأفضل، وكان عند وفاته (صلى الله عليه وآله) درعه مرهونا، وغنى الله تعالى بمعنى آخر. انتهى.
وذهب أكثرهم إلى أن الكفاف أفضل من الغنى والفقر فإنه سالم من آفاتهما، وليس ببعيد.
وقال بعضهم: هذا كله صحيح لكن لا يدفع أصل السؤال في أيهما أفضل الغنا أو الفقر؟ لأن النزاع إنما ورد في حق من اتصف بأحد الوصفين أيهما في حقه أفضل وقيل: إن السؤال أيهما أفضل لا يستقيم، لاحتمال أن يكون لأحدهما من العمل الصالح ما ليس للآخر، فيكون أفضل، وإنما يقع السؤال عنهما إذا استويا بحيث يكون لكل منهما من العمل ما يقاوم به عمل الآخر، فتعلم أيهما أفضل عند الله، ولذا قيل: صورة الاختلاف في فقير ليس بحريص، وغني ليس بممسك، إذ لا يخفى أن الفقير القانع أفضل من الغني البخيل، وأن الغني المنفق أفضل من الفقير الحريص، قال:
وكل ما يراد لغيره ولا يراد لعينه ينبغي أن يضاف إلى مقصوده فيه ليظهر فضله، فالمال ليس محذورا لعينه، بل لكونه قد يعوق عن الله، وكذا العكس، فكم من غني لم يشغله غناه عن الله، وكم من فقير شغله فقره عن الله.
إلى أن قال: وإن أخذت بالأكثر فالفقير عن الخطر أبعد، لأن فتنة الغنى أشد من فتنة الفقر.
وقال بعضهم: كلام الناس في أصل المسألة يختلف، فمنهم من فضل الفقر، ومنهم من فضل الغنى، ومنهم من فضل الكفاف، وكل ذلك خارج عن محل الخلاف أي الحالين أفضل عند الله للعبد حتى يتكسب ذلك ويتخلق به، هل التقلل من المال أفضل ليتفرغ قلبه عن الشواغل، وينال لذة المناجاة ولا ينهمك في الاكتساب ليستريح من طول الحساب؟ أو التشاغل باكتساب المال أفضل ليستكثر من القرب من البر والصلة لما في ذلك من النفع المتعدي.
قال: وإذا كان الأمر كذلك فالأفضل ما اختاره النبي (صلى الله عليه وآله) وجمهور أصحابه من التقلل في الدنيا والبعد عن زهرتها، ويبقى النظر فيمن حصل له شئ من الدنيا بغير تكسب منه كالميراث وسهم الغنيمة هل الأفضل أن يبادر إلى إخراجه في وجوه البر حتى لا يبقى منه شئ أو يتشاغل بتثميره ليستكثر من نفعه المتعدي.
قال: وهو على القسمين الأولين.
وقال ابن حجر: مقتضى ذلك أن يبذل إلى أن يبقى في حالة الكفاف، ولا يضر ما يتجدد من ذلك إذا سلك هذه الطريقة. ودعوى أن جمهور الصحابة كانوا على التقلل والزهد ممنوعة، فإن المشهور من أحوالهم أنهم كانوا على قسمين بعد