* (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار * أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) * (1).
* (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم * ساء ما يحكمون * وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون) * (2).
التفسير:
قوله تعالى: * (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا - إلى قوله - رب العرش الكريم) *: بعدما بين ما سيستقبلهم من أحوال الموت، ثم اللبث في البرزخ، ثم البعث بما فيه من الحساب والجزاء، وبخهم على حسبانهم أنهم لا يبعثون، فإن فيه جرأة على الله بنسبة العبث إليه، ثم أشار إلى برهان العبث.
فقوله: * (أفحسبتم...) * إلخ معناه: فإذا كان الأمر على ما أخبرناكم - من تحسركم عند معاينة الموت ثم اللبث في القبور ثم البعث فالحساب والجزاء - فهل تظنون أنما خلقناكم عبثا تحيون وتموتون من غير غاية باقية في خلقكم وأنكم إلينا لا ترجعون؟
وقوله: * (فتعالى الله الملك الحق * لا إله إلا هو رب العرش الكريم) * إشارة إلى برهان يثبت البعث، ويدفع قولهم بالنفي في صورة التنزيه، فإنه تعالى وصف نفسه في كلمة التنزيه بالأوصاف الأربعة: أنه ملك، وأنه حق، وأنه لا إله إلا هو، وأنه رب العرش الكريم.
فله أن يحكم بما شاء من بدء وعود وحياة وموت ورزق، نافذا حكمه ماضيا أمره لملكه، وما يصدر عنه من حكم فإنه لا يكون إلا حقا، فإنه حق ولا يصدر عن الحق بما هو حق إلا حق دون أن يكون عبثا باطلا.
ثم لما أمكن أن يتصور أن معه مصدر حكم آخر يحكم بما يبطل به حكمه وصفه بأنه لا إله - أي لا معبود - إلا هو، والإله معبود لربوبيته، فإذا لا إله غيره فهو رب العرش الكريم - عرش العالم - الذي هو مجتمع أزمة الأمور، ومنه يصدر الأحكام والأوامر الجارية فيه.
فتلخص: أنه هو الذي يصدر عنه كل حكم، ويوجد منه كل شئ، ولا يحكم إلا بحق، ولا يفعل إلا حقا، فللأشياء رجوع إليه وبقاء به وإلا لكانت عبثا باطلة ولا عبث في الخلق ولا باطل في الصنع.
والدليل على اتصافه بالأوصاف الأربعة كونه تعالى هو الله الموجود لذاته الموجد لغيره (3).
قوله تعالى: * (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا...) * إلى آخر الآية: لما انتهى الكلام إلى ذكر يوم الحساب عطف عنان البيان عليه فاحتج عليه بحجتين: إحداهما ما ساقه في هذه الآية بقوله: * (وما خلقنا السماء...) * إلخ وهو