له، وإنما النزاع في الإله بمعنى الرب المعبود، والوثنيون على أن تدبير العالم على طبقات أجزائه مفوضة إلى موجودات شريفة مقربين عند الله، ينبغي أن يعبدوا حتى يشفعوا لعبادهم عند الله ويقربوهم إليه زلفى، كرب السماء ورب الأرض ورب الإنسان... وهكذا، وهم آلهة من دونهم، والله سبحانه إله الآلهة وخالق الكل، كما يحكيه عنهم قوله: * (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) * الزخرف: 87، وقوله: * (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم) * الزخرف: 9.
والآية الكريمة إنما تنفي الآلهة من دون الله في السماء والأرض بهذا المعنى، لا بمعنى الصانع الموجد الذي لا قائل بتعدده، والمراد بكون الإله في السماء والأرض تعلق ألوهيته بالسماء والأرض لأسكناه فيهما، فهو كقوله تعالى: * (هو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) * الزخرف: 84.
وتقرير حجة الآية: أنه لو فرض للعالم آلهة فوق الواحد لكانوا مختلفين ذاتا متباينين حقيقة، وتباين حقائقهم يقضي بتباين تدبيرهم، فيتفاسد التدبيرات وتفسد السماء والأرض، لكن النظام الجاري نظام واحد متلائم الأجزاء في غاياتها، فليس للعالم آلهة فوق الواحد، وهو المطلوب.
فإن قلت: يكفي في تحقق الفساد ما نشاهده من تزاحم الأسباب والعلل، وتزاحمها في تأثيرها في المواد هو التفاسد.
قلت: تفاسد العلتين تحت تدبيرين غير تفاسدهما تحت تدبير واحد، ليحدد بعض أثر بعض وينتج الحاصل من ذلك، وما يوجد من تزاحم العلل في النظام من هذا القبيل، فإن العلل والأسباب الراسمة لهذا النظام العام على اختلافها وتمانعها وتزاحمها لا يبطل بعضها فعالية بعض، بمعنى أن ينتقض بعض القوانين الكلية الحاكمة في النظام ببعض، فيتخلف عن مورده مع اجتماع الشرائط وارتفاع الموانع، فهذا هو المراد من إفساد مدبر عمل مدبر آخر، بل السببان المختلفان المتنازعان حالهما في تنازعهما حال كفتي الميزان المتنازعتين بالارتفاع والانخفاض، فإنهما في عين اختلافهما متحدان في تحصيل ما يريده صاحب الميزان، ويخدمانه في سبيل غرضه وهو تعديل الوزن بواسطة اللسان.
فإن قلت: آثار العلم والشعور مشهودة في النظام الجاري في الكون، فالرب المدبر له يدبره عن علم، وإذا كان كذلك فلم لا يجوز أن يفرض هناك آلهة فوق الواحد يدبرون أمر الكون تدبيرا تعقليا، وقد توافقوا على أن لا يختلفوا ولا يتمانعوا في تدبيرهم حفظا للمصلحة؟!.
قلت: هذا غير معقول، فإن معنى التدبير التعقلي عندنا هو أن نطبق أفعالنا الصادرة منا على ما تقتضيه القوانين العقلية الحافظة لتلائم أجزاء الفعل وانسياقه إلى غايته، وهذه القوانين العقلية مأخوذة من الحقائق الخارجية والنظام الجاري فيها الحاكم عليها، فأفعالنا التعقلية تابعة للقوانين العقلية وهي تابعة للنظام