تشترط في نائب العبادة العدالة؟
قلنا: الفرق بين النيابة والواجب الكفائي واضح، فإن فاعل الواجب الكفائي آت به من جهة نفسه، ولا ريب أن عمل المسلم في حق نفسه محمول على الصحة، فإذا كان كذلك فيوجب عني السقوط، لأنه فعل صحيح. وأما النائب فهو آت للفعل عن المنوب عنه وليس هناك أصالة صحة فعل مسلم عن مسلم آخر - بمعنى ترتب الآثار عليه - إذ أدلة صحة فعل المسلم لا تعم ذلك، وسيأتي - إن شاء الله - البحث في ذلك.
وأما الفرق بين العبادات والمعاملات: فبأن الذمة إذا اشتغلت فلا تفرغ إلا بيقين والمتيقن هو نيابة العدل، وأما في المعاملة فليس هناك اشتغال ذمة بشئ، بل هو إقدام على ما لولا قول الوكيل لما أقدم عليه، ولو لم يثبت بقول الوكيل جوازه فلا يبقى علم بتحريمه أيضا، وهو كاف في جواز الارتكاب. وفيه نظر واضح.
وإما بأن يقال (1): إن سماع قول الوكيل في المعاملات إنما هو من جهة كونه ذا يد على ما أخبر عنه، وقول ذي اليد مسموع ولو كان فاسقا. وهذا لا يطرد في الأشياء التي ليست مما يدخل تحت اليد كالنكاح والطلاق، فلا بد من القول بعدم سماع قول الوكيل في ذلك إلا بعد الثبوت.
وأما من جهة (2) الفرق بين العبادة والمعاملة: بأن العبادة عمدتها النية وهي لا تعلم باطلاع، فلابد من اعتبار كون النائب عدلا ليحصل الوثوق به. والمعاملة وإن كان يعتبر فيها القصد وهو أيضا لا يعلم، لكن الشارع جعل ألفاظ العقود كاشفة عن القصود. ومن قال: (بعت) ثم ادعى (أني ما كنت قاصدا) لا يسمع منه ذلك، لأن ظاهر كلامه مكذب له. بخلاف العبادة، إذ ليس فيها ما يدل على وقوعها مع نيته إلا