يضر على نفسه جائز ليس بمحرم، والظاهر أن المراد ليس ذلك، وإلا لم يكن لإقرار العاقل على نفسه خصوصية، فإنه يجوز على غيره أيضا، مع أن الظاهر من الخبر الاختصاص، مع أنه لا يلائم موارد الاستدلال بهذا الخبر، كما لا يخفى. وإن أريد الإباحة لجاز إقرار المجنون أيضا، لأنه مباح، إلا أن يقال: المراد الجواز الشرعي لا العقلي، وفعل المجنون وقوله لا خطاب فيه من الشرع، بل هو كأفعال البهائم.
والظاهر: أن الجواز هنا بمعنى المضي والنفوذ، وهو المتبادر من سياق العبارة وإن كان لفظ (الجواز) لو خلي ونفسه لا يدل على ذلك بالخصوص، مضافا إلى بعد إرادة معنى الإباحة هنا، نظرا إلى أن الإقرار إنما هو كسائر الأقوال التي بين في الشرع ما يحرم فيه (1) وما يحل، والإقرار أيضا من ذلك، فما وافق الواقع صحيح مباح، وما خالفه فهو حرام، مع أن إباحته إنما هي على طبق الأصل فبيانها يصير تأكيدا، بخلاف إرادة الحكم الوضعي فإنه يصير تأسيسا، وهو أولى من التأكيد. مع أن إقرار العاقل على نفسه ليس بمباح على الإطلاق، بل هو محرم فيما خالف الواقع، أو كان إضرارا على نفسه بما لا يجوز، أو كان إظهارا لما يجب عليه إخفاؤه، فالحمل على الإباحة مستلزم للتخصيص الكثير، بل تخصيص الأكثر، بخلاف ما لو حمل على معنى (النفود) فإنه لا تخصيص فيه أصلا.
هذا كله، مع فهم الأصحاب الذي هو أقوى قرينة في الباب. وموارد ذكر هذه الرواية في لسان المعصومين والصحابة شاهدة على إرادة الحكم الوضعي، فيكون حاصل المعنى: أن ما أثبته كل عاقل على نفسه فأثبتوه عليه، فهو نافذ عليه ماض في حقه.
ولا يحتاج صرف الجملة عن ظاهرها بتقريب: أن رب شئ مقر به ليس بثابت في الواقع فلا وجه للحكم على الكل، لأن الظاهر من الخبر كون الإقرار نافذا في حقه، ونفوذه عبارة عن البناء عليه وفرض كونه في الواقع كذلك، وهو لا