قوله في المقنعة إن الوقوف في الأصل صدقات، بمعنى أنه إنما يطلق في الأصل والصدر السابق على الوقف لفظ الصدقة، وهو حق كما سمعته من الأخبار المتقدمة، سيما أخبار وقوف الأئمة عليهم السلام وإليه يشير قوله عليه السلام في هذين الخبرين " إنما الصدقة محدثة، يعني اطلاق هذا اللفظ على ما يعطى بقصد التقرب محدث، وإنما الذي كان يستعمل في زمنه (صلى الله عليه وآله) النحلة والهبة أعم من أن يكون مقترنة بالتقرب لله سبحانه، فتدخل فيه الصدقة بالمعنى المتأخر أو لم يكن كذلك، وهذا المعنى الذي استعمل فيه لفظ الصدقة إنما هو الوقف، والمستعمل من لفظ الصدقة في الصدر الأول إنما هو الزكاة كما دلت عليه الآية، وحينئذ فإذا كان الأصل في اطلاق الصدقة إنما هو المعنى المترتب علي لفظ الوقف، فلا بد من اشتراط التقرب فيه لاشتراط الصدقة بالقربة، وإن جرى ذلك أيضا " في الصدقة بالمعنى المتأخر فيجب اشتراط القربة في الصدقة بكل من المعنيين بالتقريب المذكور.
ومجمله أن اطلاق لفظ الصدقة على الوقف كما عرفت في الأخبار إنما هو من حيث أن الوقوف إنما تكون لله سبحانه، وما كان لله سبحانه فلا رجعة من هذه الجهة لأنه قد استحق الأجر، وكتب له الثواب، فلا يجمع بين العوض والمعوض، وبهذا التقريب يتم المدعى من شرطية التقرب في الوقف، كما هو قول أولئك الفضلاء المتقدمين، ولم يحضرني الآن من كتب المتقدمين غير من قدمت ذكره.
المسألة الرابعة: قد عرفت أن من شرائط الوقف اخراجه عن نفسه، ولا خلاف في بطلانه لو وقف على نفسه، سواء اقتصر على ذلك أو جعله بعد نفسه لغيره، إنما الخلاف فيما إذا جعله لغيره بعد ذكر نفسه وهو الوقف المنقطع الأول فقيل: بالصحة فيه، وهو قول الشيخ في المبسوط والخلاف، ولا فرق في ذلك بين أن يقفه أولا " على نفسه أو على غيره ممن لا يجوز الوقف عليه، ومرجعه إلى منقطع الأول، والمشهور في كلام الأصحاب بطلان الوقف من أصله.