الرابع: المختلف فيه، وهي السبق والرماية إن قلنا أنها إجارة، كان لازما، وإن قلنا أنهما جعالة، كان جائزا، ولا نعلم خلافا " من أحد من العلماء في أن الوكالة عقد جائز من الطرفين، لأنه عقد على تصرف مستقبل، ليس من شرطه تقدير عمل، ولا زمان، فكان جائزا كالجعالة، فإن فسخها الوكيل انفسخت، وبطل تصرفه، وإن فسخها الموكل فكذلك، إلى أن قال: ولا خلاف في أن العزل يبطل الوكالة، انتهى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الكلام هنا يقع في مقامين: الأول: في عزل الوكيل نفسه، وقد عرفت أنه لا خلاف فيه، قالوا: ولا فرق في بطلان الوكالة بعزله نفسه، بين اعلام الموكل وعدمه، بخلاف عزل الموكل له لما سيأتي إن شاء الله تعالى في المقام الثاني، ومقتضى ذلك أنه لا ينفذ تصرفه بعد عزله نفسه، وقبل علم المالك، لأن مناط صحة التصرف هو العقد، والمفروض أنه صار باطلا " بعزله نفسه، إلا أنه قد صرح جملة منهم بأنه يحتمل توقف انعزاله على علم الموكل، وحينئذ فيجوز له التصرف قبل بلوغه، عملا " بالإذن العام الذي تضمنه الوكالة، بل يحتمل ذلك مع بلوغه أيضا "، لأصالة بقاء الإذن، ومجرد علمه بالرد لا يدل على بطلانه من قبل الإذن، قالوا: ولو اكتفينا في قبول الوكيل بفعلية مقتضاها كيف كان، قوي هذا الاحتمال جدا " لأنها حينئذ تصير مجرد إذن وإباحة، ويجوز مع ذلك اطلاق العقد عليها، بحيث أن قبولها بالقول يصح، ويترتب عليه أثر في الجملة، وبهذا الاحتمال قطع في القواعد مع جهل الموكل بالرد.
أقول: قد عرفت مما قدمناه من الأخبار أنه ليس فيها ما يدل على ما ذكروه من القبول اللفظي الذي أدخلوا به الوكالة في باب العقود، وإنما دلت تصريحا " في بعض وتلويحا " في آخر على القبول بالاتيان بالفعل المأمور به، وإن أدخلوها بذلك في باب الإذن والإباحة دون باب العقود، كما أنه لا دلالة في شئ منها على ما اعتبروه من صيغ الإيجاب التي ذكروها، وعدوا بها الوكالة