صحيحة وإن لم تكن لازمة، وسيجئ الكلام في ذلك أيضا " أن شاء الله تعالى.
وأما ما قيل: من أن الدين ماهية كلية لا وجود لها في الخارج إلى آخر ما تقدم، فجوابه أنه لو تم ذلك لما صح بيعه والمعاوضة عليه، لأن البيع مشروط بالقدرة على التسليم اجماعا " في غير الآبق، بل يشترط وجوده مطلقا " والماهية لا وجود لها على ما ذكروه، وبه يظهر أن الماهية وإن كانت من حيث هي لا وجود لها إلا أنها موجودة بوجود بعض أفرادها، وإلا لما صح البيع ونحوه كما عرفت، مع أنه لا خلاف في الصحة.
وبالجملة فإن ما في الذمة إن كان موجودا متحققا يمكن قبضه وتسليمه، فبيعه وهبته صحيحان، لحصول الشرط والقدرة على القبض، ونحن لا نحكم بصحة الهبة إلا بعد القبض، كما لا نحكم بصحتها لو تعلقت بعين إلا بعد قبضها والقبض لما كان ممكنا " بقبض بعض أفراد الماهية كما قدمنا ذكره صحت الهبة، وتوقفت على حصول القبض على ذلك الوجه، ولا ريب في أنه الدين مملوك للواهب قبل قبضه، وقبضه ممكن على الوجه المذكور فصحت هبته، وتوقفت على قبضه كما توقفت لو كانت عينا "، وبه يظهر أنه لا يمتنع نقله إلى ملك المتهب حال كونه دينا " كما ذكروه، لأنه مملوك له، وإلا لما صح بيعه أيضا ".
وثانيهما في هبة من عليه الحق، والظاهر أنه لا خلاف في صحة ذلك في الجملة، إنما الخلاف في اشتراط ذلك بالقربة، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى لكن الهبة هنا عند الأصحاب معنى الابراء من الدين، فلا يشترط فيها القبض ولا يجري فيها الاشكال المتقدم ذكره، ويدل على ذلك الخبر الثالث والعاشر، وما اشتمل عليه الخبر العاشر من الرجوع بعد الهبة، فإنما وقع في حكاية كلام السائل، فلا ينافي ما دل عليه الخبر الآخر من أنه بعد الهبة ليس له الرجوع، وبذلك استدل الأصحاب على كون الهبة هنا بمعنى الابراء، حيث أن الهبة بمجردها لا يلزم إلا في مواضع مخصوصة يأتي ذكرها، وليس هذا منها، فامتناع الرجوع