الثاني: قالوا: لو أقر الواهب بالهبة والاقباض حكم عليه باقراره، وإن كانت الهبة في يد الواهب، ولو أنكر بعد ذلك لم يقبل لعموم (1) " اقرار العقلاء على أنفسهم جائز " وكونها في يده لا يستلزم عدم الاقباض بعد اعترافه، لامكان رجوعها إليه بعد ذلك، إلا أن يعلم كذبه في اخباره الأول، كقطر الوقف الذي يسمع القبض والرد ونحو ذلك.
الثالث: قد صرحوا بأنه لا بد من إذن الواهب في صحة القبض، فلو قبض الموهوب الهبة بغير إذنه لم ينتقل إليه، وفي المسالك أنه لا خلاف فيه عندنا.
أقول: والوجه فيه واضح، وهو أن الاقباض غير واجب على الواهب، لعدم الاستحقاق الشرعي حيث أن مجرد العقد غير موجب للنقل البتي فإنه من العقود، ولزومه مراعى بالأسباب المخصوصة الآتي تفصيلها إن شاء الله تعالى وحينئذ فلو قبضه بغير إذن فهو محرم بلا ريب، والظاهر كما هو المشهور أنه لا يعتبر في القبض كون الإذن بنية الهبة، فلو أذن فيه مطلقا صح، خلافا لبعضهم حيث اعتبر وقوعه للهبة أو الإذن فيه فإن ذلك هو المقصود، وحيث كان مطلق القبض صالحا لها ولغيرها فلا بد من مايز وهو القصد، قال في المسالك بعد نقل ذلك:
" وهو حسن "، حيث يصرح بكون القبض لا لها، لعدم تحقق القبض المعتبر فيها، أما لو أطلق فالاكتفاء به أجود، لصدق اسم القبض وصلاحيته للهبة ودلالة القرائن عليه بخلاف ما لو صرح بالمصارف، انتهى وهو جيد.
الرابع: الأشهر الأظهر أنه لو وهبه في يد الموهوب، فإنه لا يحتاج إلى إذن في القبض، ولا مضي زمان يمكن القبض، ولا فرق في ذلك بين كون ذلك بيده بوجه شرعي كالعارية والوديعة أولا كالغصب.
أما الأول فلصدق القبض وحصوله في كل من الجانبين، فإنه مستصحب، وايجاب العقد المقتضي لاقرار يده على العين رضا " منه، وإذن بالقبض.