الأمر بالوفاء بها المقتضي له، ولأنه تبرع كالوصية، فلا يعتبر فيها أيضا ".
واعترضه في المسالك فقال: ويمكن أن يقال: إن العقود منها ما يقتضي الملك، ومنها ما لا يقتضيه بدون القبض، وقد تقدم منه الوقف، فيكون أعم، والمراد بالوفاء بها العمل بمقتضاها من لزوم وجواز وغيرهما، فلا يدل على المطلوب، وكذلك مطلق التبرع أعم مما لا يعتبر فيه القبض، بالحاقة بالوصية قياس، وأجاب عن الرواية بأن اطلاق الهبة على غير المقبوض أعم من الحقيقة، وجاز أن يكون مجازا " تسمية للشئ باسم ما يؤل إليه على تقدير لحوقه، أو اطلاقا " لاسم المجموع على بعض الأجزاء، فإن الإيجاب والقبول أعظم أجزاء السبب التام في تحققها، ومطلق جوازها لا نزاع فيه، انتهى وهو مؤذن باختياره القول الأول.
أقول: ما أجاب به عن تلك الوجوه غير بعيد، وإن أمكن المناقشة في بعضه، وأما ما أجاب به عن الرواية فهو في غاية البعد، ولو قامت أمثال هذه الاحتمالات لانسدت أبواب الاستدلالات، على أنه أولا " لا معنى للحكم بالجواز عليها الذي هو بمعنى الصحة أو اللزوم كما عرفت، والحال أنها ليست بهبة حقيقة، وإنما أطلق عليها مجازا "، وإلا للزم الحكم بالصحة في كل ما أعطى وإن لم يكن هبة بمجرد ارتكاب التجوز فيه، وهو لا يقول به.
وثانيا " إن اللازم من كلامه استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، وهم لا يقولون به، لأن قوله عليه السلام الهبة جايزة قبضت أو لم تقبض، قد أطلق فيه الهبة على كل من المقبوضة، وغير المقبوضة، وهي عنده ليست بهبة حقيقية، فقد استعمل عليه السلام لفظ الهبة في كل من حقيقته ومجازه.
وثالثا " أن مقابلتها بالنحل وأنها لا يجوز حتى يقبض، بمعنى أنه يشترط في صحتها أو لزومها القبض، أظهر ظاهر في أن المراد بالهبة في صدر الخبر هو ما يسمى هبة حقيقة لا مجازا، وإلا فإن هذا الفرد المجازى الذي ادعاه حكمه حكم النحل