واعترض في المسالك على الاستدلال في الآيتين المذكورتين بأن الصدقة كما تقدم من العقود المفتقرة إلى القبول اجماعا " فدلالتهما على اعتباره أولى من عدمه.
أقول: الظاهر من كلام المفسرين وهو ظاهر الآيتين المذكورتين إنما هو الابراء، والعفو عما يستحقونه، احتج القائلون بالاشتراط باشتمال الابراء على الهبة، فلا يجبر على تحملها، وقبولها كهبة العين، ولو لم يعتبر القبول فتحملها جبرا ".
وأجيب عنه بالفرق بين هبة العين وهبة الدين، فإن الأول تمليك، والثاني اسقاط، فاعتبر القبول في الأول دون الثاني، وتوضيحه أن الهبة لما كانت هنا بمعنى الابراء كما عرفت، ومن الظاهر أن الابراء لا يتعلق بالأعيان، فإنه لو أبرأ مالك الوديعة الودعي منها لم يملكها ولو قبل، وكذا لو أسقط حقه من عين مملوكة لم تخرج بذلك عن ملكه، بخلاف الدين، فإنه لذلك، فإنه ليس شيئا " موجودا "، فكان أشبه بالعتق.
وأما ما ذكروه من اشتمال الابراء على الهبة، ففيه أنه لا يخفى أن اسقاط الانسان حق نفسه باختيار، من غير طلب من عليه الحق واستدعائه ذلك لا يظهر فيه منة، بثقل تحملها على من عليه الحق، بخلاف هبة الأعيان المتوقفة على القبول والقبض ونحو ذلك مما يشترط في صحة العقود مما هو ظاهر في الحرص على التملك الموجب للمنة غالبا "، والله العالم.
الثاني: لا خلاف بين الأصحاب في اشتراط القبض في الهبة في الجملة، وإنما الخلاف في كونه شرطا " في الصحة أو اللزوم؟ فالمشهور بين المتأخرين الأول، ونقله في المختلف عن أبي الصلاح ونقله ابن إدريس عن أكثر علمائنا، وذهب الشيخان وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس والعلامة في المختلف إلى الثاني.
ويظهر الخلاف في مواضع، منها النماء المتخلل بين العقد والقبض، فإنه يكون للواهب على الأول، وللمتهب على الثاني.