وأنت خبير بأن ما هو المشهور من الجواز في غير الميراث وإن كان على كراهية هو الأوفق بمقتضى الأدلة العقلية، لأنه بانتقاله إلى ملك المتصدق عليه تصير كسائر أمواله في بيعه أو هبته أو نحو ذلك على المتصدق أو غيره، لكن هذه الأخبار كما عرفت قد اتفقت من غير معارض على المنع من ذلك.
ومنها ما هو صريح في التحريم مثل قوله لا يحل في الرواية الثانية معللا " ذلك في رواية طلحة بأنه لا شريك لله فيما جعل له، بمعنى أنه بعد أن أخرجها عن نفسه لله سبحان فتصرفه فيها بعد الانتقال إليه ببيع أو هبة أو نحوهما مستلزم لذلك، وأن الصدقة بمنزلة العتق لله سبحانه، لا تصلح رده لمن أعتقه بوجه من الوجوه، وينبغي تخصيصه بغير الرد بالميراث كما دلت عليه الأخبار الباقية، وبالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الاشكال.
وظاهر كلام الشيخين إنما هو التحريم، والروايات كما ترى ظاهرة، فيه، ولا معارض لها إلا ما عرفت من الدليل العقلي، والخروج عنها بمجرد ذلك مشكل وكم مثل ذلك في الأخبار، ثم لا يخفى على من جاس خلال الديار.
بقي هنا اشكال آخر أيضا وهو أن أكثر هذه الأخبار قد صرحت باستثناء الميراث من الكراهة والتحريم على القول به، وظاهر صحيحة محمد بن مسلم تخصيص الإرث بما إذا لم يكن تلك الصدقة على وجه يجعله لله، فلو كانت الصدقة لله سبحانه فإنه لا ينبغي له أن يتصرف فيها بالإرث أيضا "، وتقييد تلك الروايات الكثيرة بهذه الرواية بأن تحمل تلك الروايات على أن الصدقة خالية من التقرب كما احتمله في الوافي وجعله وجها " للجمع بين الأخبار في غاية البعد.
وكيف لا والصدقة بدون شرط القربة غير لازمة فله الرجوع فيها شرعا " فضلا أن يشتريها ويتهبها، ورواية طلحة قد عللت عدم الجواز بالتقرب في الصدقة بمعنى أن العلة في عدم جواز اتباعها اتهابها من حيث إن اخراجها لله سبحانه.
وبالجملة فبعده أظهر من أن يخفى على الناظر المتأمل في هذه الأخبار فهي مرجوعة إلى قائليها (صلوات الله عليهم)، والله العالم.