نعم ربما أفاد الإباحة في بعض الموارد إلا أن إباحة التصرف لا تقضي زوال الملك، وعلى هذا فإذا وقع الرد بعد الموت، والقبول والقبض لا يؤثر شيئا "، لأن الملك هنا قد استقر، ثبت اجماعا " فلا حكم للرد اتفاقا "، وإن وقع الرد بعد الموت والقبول وقبل القبض بني الكلام على الخلاف المتقدم، فإن قلنا إن القبض شرط في الملك صح الرد قبله، وبطلت الوصية، وإلا فلا، كما لو وقع بعده، فإنه لا أثر له في البطلان، وإن وقع الرد بعد الموت وقب القبول، قبض أو لم يقبض، بطلت الوصية، لأن الملك لم يتحقق حينئذ، فكانت الوصية من قبيل العقد الجائز إذا أبطله أحد المتعاقدين، أو اللازم إذا رده أحدهما بعد الإيجاب وقبل القبول.
أقول: صحة الحكم هنا مبنية على تسليم شرطية القبول كما هو مسلم بينهم، وأما على ما يظهر من الأخبار كما عرفت وستعرف إن شاء الله تعالى، من أنه لا دليل عليه، بل الدليل ظاهر في خلافه، فإنه يحكم بالصحة وإن وقع الرد قبل الوفاة، سواء كان قبل القبول أم لا، فالرد هنا عندهم لا حكم له، فله أن يجدد القبول بعد ذلك، لأن الرد في حكم العدم، حيث لم يصادف محلا " إذ التمليك لا يحصل إلا بعد الوفاة، فرده هنا إنما هو في معنى رد ملك غيره، وهو غير معقول، فيقع لاغيا "، لأنه وإن قبله فالشرط لملكه موت الموصي اجماعا "، والفرق بين الرد في هذه الصورة وبين الرد بعد الموت وقبل القبول، في أن الأول لا حكم له، بل له أن يجدد القبول، وفي الثاني تبطل الوصية كما تقدم، مع اشتراكهما في عدم حصول الملك فيهما - أن الملك بعد الموت وقبل القبول وإن لم يحصل على وجه اللزوم الذي لا يؤثر الرجوع في زواله، إلا أنه حاصل في الجملة، باعتبار أن القبول كما تقدم كاشف عن الملك السابق، أو جزء السبب، فالملك حاصل في الجملة، إلا أنه بقي موقوفا " على القبول لا غير، فالرد حينئذ واقع في محله، وملخصه أن التمليك من الموصي قد حصل، وبقي موقوفا " على رضاه بذلك وقبوله، فإذا رده تبين عدم الرضا والقبول، فتبطل الوصية كما لو أوجب البايع البيع فرده المشتري ولم يقبل، وهذا بخلاف