- رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أيها الناس، إنما أنا بشر مثلكم، ولعله أن يكون قد قرب مني خفوف من بين أظهركم، فمن كنت أصبت من عرضه أو من شعره أو من بشره أو من ماله شيئا، هذا عرض محمد وشعره وبشره وماله فليقم فليقتص!
ولا يقولن أحد منكم: إني أتخوف من محمد العداوة والشحناء، ألا وإنهما ليستا من طبيعتي وليستا من خلقي (1).
بحث علمي:
كانت العرب أوان نزول آية القصاص وقبله تعتقد القصاص بالقتل لكنها ما كانت تحده بحد، وإنما يتبع ذلك قوة القبائل وضعفها، فربما قتل الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة فسلك في القتل مسلك التساوي، وربما قتل العشرة بالواحد والحر بالعبد والرئيس بالمرؤوس، وربما أبادت قبيلة قبيلة أخرى لواحد قتل منها.
وكانت اليهود تعتقد القصاص كما ورد في الفصل الحادي والعشرين والثاني والعشرين من الخروج والخامس والثلاثين من العدد، وقد حكاه القرآن حيث قال تعالى:
* (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص) * (2).
وكانت النصارى على ما يحكى لا ترى في مورد القتل إلا العفو والدية، وسائر الشعوب والأمم على اختلاف طبقاتهم ما كانت تخلو عن القصاص في القتل في الجملة وإن لم يضبطه ضابط تام حتى القرون الأخيرة.
والإسلام سلك في ذلك مسلكا وسطا بين الإلغاء والإثبات، فأثبت القصاص وألغى تعينه بل أجاز العفو والدية، ثم عدل القصاص بالمعادلة بين القاتل والمقتول، فالحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى.
وقد اعترض على القصاص مطلقا وعلى القصاص بالقتل خاصة بأن القوانين المدنية التي وضعتها الملل الراقية لا ترى جوازها وإجراءها بين البشر اليوم.
قالوا: إن القتل بالقتل مما يستهجنه الإنسان وينفر عنه طبعه ويمنع عنه وجدانه إذا عرض عليه رحمة وخدمة للإنسانية. وقالوا: إذا كان القتل الأول فقدا لفرد فالقتل الثاني فقد على فقد.
وقالوا: إن القتل بالقصاص من القسوة وحب الانتقام، وهذه صفة يجب أن تزاح عن الناس بالتربية العامة ويؤخذ في القاتل أيضا بعقوبة التربية، وذلك إنما يكون بما دون القتل من السجن والأعمال الشاقة. وقالوا: إن المجرم إنما يكون مجرما إذا كان مريض العقل، فالواجب أن يوضع القاتل المجرم في المستشفيات العقلية ويعالج فيها. وقالوا: إن القوانين المدنية تتبع الاجتماع الموجود، ولما كان الاجتماع غير ثابت على حال واحد كانت القوانين كذلك، فلا وجه لثبوت القصاص بين الاجتماع للأبد حتى الاجتماعات الراقية اليوم، ومن اللازم أن يستفيد الاجتماع من وجود أفرادها ما استيسر، ومن الممكن أن يعاقب