وإن رجع الشاهد بعد القضاء وقبل الاستيفاء والعمل بمقتضى الشهادة - مثل القتل أو الحد أو التعزير - نقض الحكم مطلقا، سواء كان المشهود به حقا لله مثل الزنا، أو الآدمي مثل القطع في السرقة والحد في القذف بالزنا.
ولو رجعوا بعد الاستيفاء وكان المشهود به كالقتل والجرح وقالوا: تعمدنا، فالمقطوع به في كلام الأصحاب أن عليهم القصاص أو الدية في موضع لا يقتص فيه من المتعمد، وكذا لو شهدوا بالردة فقتل، أو على المحصن فرجم. وأما لو كانت الشهادة على غير محصنة فجلد فمات منه يلزمهم مع الاعتراف بالتعمد الدية، لأنه عمد شبيه بالخطأ. وإن قالوا: أخطأنا، فعليهم الدية.
الثاني: أن يكون المشهود به متعلقا بالبضع، فإذا شهد شاهدان مقبولان بالطلاق، فإن ثبت أنهما شاهدا زور لم يحكم بالفراق، وإن رجعا أو أحدهما قبل حكم الحاكم فكذلك، ولا يلزمهما شيء إلا التعزير إلا مع عذر مقبول.
وإن رجعا بعد حكم الحاكم بالمفارقة فالمقطوع به في كلامهم أنه لا ينتقض الحكم، بل يثبت الطلاق، لأنه ثبت بالبينة المقبولة وحكم به الحاكم بالقضاء المبرم، فلا يبطل بمجرد رجوع الشهود المحتمل للصحة والفساد، فإن الثابت بدليل شرعي لا ينتقض إلا بدليل شرعي آخر. وفي التعليل تأمل.
وهل يجب الغرم على الشاهدين مطلقا، أم يتقيد بعدم الدخول؟ المشهور الثاني، وهو مبني على المشهور من أن البضع لا يضمن بالتفويت، ومن ثم لو قتلها قاتل أو قتلت نفسها لم يضمن القاتل.
ولو غصب أمة وماتت في يده فإنه يضمن بذلك قيمتها وقيمة منافعها وإن لم يستوفها، دون بضعها مع عدم استيفائه، وعلى الوجه الآخر يغرم الشاهدان مهر المثل مطلقا، لتفويتهما أمرا متقوما.
وعلى المشهور إن كان رجوع الشاهدين بعد الدخول لم يكن عليه شيء، لاستقرار المهر بالدخول، والبضع غير مضمون، وإن كان قبل الدخول ضمنا نصف المسمى، لإلزامهما ما كان في معرض السقوط بالردة أو الفسخ.