ويفتقر الهبة إلى الإيجاب والقبول عند الأصحاب، والإيجاب كل لفظ قصد به التمليك المذكور، والقبول كل لفظ يدل على قبوله. وهل ما يقع بين الناس على وجه الهدية من غير لفظ يدل على الإيجاب والقبول يفيد الملك أو مجرد الإباحة حتى لو كان جارية لم يحل له الاستمتاع؟ ففي المبسوط: من أراد الهدية ولزومها وانتقال الملك منه إلى المهدى إليه الغائب فليوكل رسوله في عقد الهدية معه، فإذا مضى وأوجب له وقبل المهدى إليه وأقبضه إياها لزمه العقد وملك المهدى إليه الهدية (1).
واحتمل في الدروس عدم اشتراط الإيجاب والقبول في الهدية (2) ويلوح ذلك من كلام العلامة في التذكرة (3). واستحسنه بعضهم (4) وهو جيد، لكن لا يبعد أن يكون كالمعاطاة تفيد الملك المتزلزل ويبيح التصرف والوطء، لكن يجوز الرجوع قبله.
ولا يصح عقد الإيجاب والقبول إلا من بالغ عاقل جائز التصرف، وفيمن بلغ عشرا تردد.
وإن وهب ما في الذمة لغير من عليه الحق ففي صحته قولان، أشهرهما العدم، ولم أجد ما يناسب هذا الباب إلا صحيحة صفوان، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن رجل له على رجل مال فوهبه لولده، فذكر له الرجل المال الذي له عليه، فقال: إنه ليس عليك منه شيء في الدنيا والآخرة، يطيب ذلك له وقد كان وهبه لولد له؟ قال:
نعم يكون وهبه له ثم نزعه فجعله لهذا (5). والظاهر أن هذا مبني على عدم القبض، ولا ينافي جواز الهبة للغير، بل يؤكدها، ويصح لمن عليه الحق ويصرف إلى الإبراء، لصحيحة معاوية بن عمار (6) واخرى له معتبرة (7) وفي اشتراط القبول في الإبراء قولان، أشهرهما العدم، ولعله أقرب.