وذكر في المسالك: أن المعتبر من الجزم ما كان في اللفظ بأن يأتي بصيغة جازمة، دون أن يقول: أظن أو أتوهم، سواء انضم إلى جزمه بالصيغة جزمه بالقلب واعتقاده لاستحقاق الحق أم لا، فإن المدعي لا يشترط جزمه في نفس الأمر، لأنه إذا كان للمدعي بينة تشهد له بحق وهو لا يعلم به فله أن يدعي عند الحاكم ليشهد له البينة، وكذا لو أقر به مقر بحق وهو لا يعلم به، فله أن يدعيه به عليه وإن لم يعلم سببه في نفس الأمر ما هو (1).
وفيه: أن ما علل به الجزم من اعتبار يمين المدعي عند الرد، ولزوم القضاء عند النكول - وهما غير ممكنين مع عدم العلم بأصل الحق - يقتضي الجزم في نفس الأمر في جواز الدعوى، والجزم بحسب الصيغة إنما ينفع بالنسبة إلى حكم القاضي، على أن الجزم بحسب الصيغة مع عدم العلم في الواقع من غير تورية يقتضي الكذب والتدليس.
ونقل المحقق عن بعض من عاصره - وهو الشيخ نجيب الدين محمد بن نما - سماع الدعوى في التهمة وإن لم تكن جازمة، ويحلف المنكر من غير أن يترتب عليها رد اليمين على المدعي، لعدم إمكانه (2).
قال في المسالك: وعلى القول بسماعها فيما يخفى كالتهمة إن حلف المنكر فلا كلام، وإلا فإن قضينا بالنكول قضينا هنا أيضا، إجراء له مجرى الإقرار أو البينة، فيستبيح المدعي الأخذ، وإن قلنا لا يقضي إلا برد اليمين لم يرد هنا، لعدم إمكانه. ولو عاود بعد دعوى الظن فادعى العلم فالأقوى السماع، لإمكان تجدد العلم بعد الظن (3).
الثالثة: إذا تمت الدعوى هل يطالب المدعى عليه بجواب، أم يتوقف ذلك على التماس المدعي؟ للشيخ فيه قولان (4). ولي في المسألة تردد.