مسالك الأفهام - الشهيد الثاني - ج ١٤ - الصفحة ٢١٥

____________________
تعالى فيه حق وإن كان مشتركا، كحد القذف، والوقف على منتشرين، والعتق، والوقف على معين إن قلنا بانتقال الملك إلى الله تعالى. وتسمى الشهادة على هذا القسم على وجه المبادرة شهادة الحسبة.
فالمبادر في القسم الأول لا تقبل شهادته. وفي الخبر أنه صلى الله عليه وآله قال في معرض الذم: (ثم يجي قوم يعطون الشهادة قبل أن يسألوها) (1).
وفي لفظ آخر: (ثم يفشوا الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد) (2). وروي أنه صلى الله عليه وآله قال: (خير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها) (3).
فجمع بين الحديثين بحمل الأول على الأول، والثاني على الثاني.
والمصنف - رحمه الله - تردد في عدم المنع في القسم الثاني. ووجه التردد من عموم الأدلة الدالة على الرد، وتطرق التهمة، ومن ثبوت الفرق الموجب لاختصاص الحكم بالأول، لأن هذه الحقوق لا مدعي لها، فلو لم يشرع فيها التبرع لتعطلت، وهو غير جائز. ولأنه نوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو واجب، وأداء الواجب لا يعد تبرعا. وهذا هو الأقوى.
إذا تقرر ذلك، فالتبرع بالشهادة في موضع المنع ليس جرحا (4) عندنا حتى لا تقبل شهادته في غير تلك الواقعة، لأن الحرص المذكور ليس بمعصية، فتسمع شهادته في غيرها وإن لم يتب عما وقع ولا استبرئ من ذلك مدة، وإنما الرد

(١) مسند أحمد ٤: ٤٢٦، تلخيص الحبير ٤: ٢٠٤ ح ٢١٣٠.
(٢) سنن ابن ماجة ٢: ٧٩١ ح ٢٣٦٣، تلخيص الحبير ٤: ٢٠٤ ذيل ح ٢١٣٠.
(٣) مسند أحمد ٥: ١٩٣، صحيح مسلم ٣: ١٣٤٤ ح ١٩، سنن أبي داود ٣: ٣٠٤ ح ٣٩٥٦، سنن الترمذي ٤: ٤٧٢ ح 2295 و 2297، سنن البيهقي 10: 159.
(4) في (ت، ط): حرجا، وفي (خ): حرصا.
(٢١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 ... » »»
الفهرست