البتة ولا سيما مع صحة السند وضعف المعارض، فيتعين العمل بالرواية المذكورة وارجاء الرواية المقابلة إلى قائلها. ومع غض الطرف عن جميع ذلك فلنا أن نقول إن هذين الخبرين قد تعارضا فتساقطا فرجعنا إلى قضية الأصل. ولا ريب أن الأصل صحة الصلاة حتى يقوم دليل الابطال وليس فليس. والعجب من هؤلاء المتحذلقين أنهم في جميع الأحكام متى تعارضت الأخبار جمعوا بينها بالكراهة والاستحباب كما هي القاعدة المطردة عند الأصحاب فكيف غفلوا عن ذلك في هذا المقام؟
(الموضع الثالث) - في حكم التأخر خلف القبر، والمشهور بين الأصحاب الجواز على كراهة قبر إمام كان أو غيره، وقد تقدم نقل القول بالتحريم عن الصدوق والمفيد وأبي الصلاح، وهو ظاهر المحقق في المعتبر أيضا حيث إنه - بعد أن نقل موثقة عمار ورواية معمر بن خلاد الدالتين على النهي عن الصلاة خلف القبر مطلقا، ثم نقل كلام المفيد المتقدم وقوله فيه " وقد روي أنه لا بأس... الخ " - قال ولا ريب أن اطراحه هذه الرواية لضعفها وشذوذها واضطراب لفظها. انتهى. وهو - كما ترى - ظاهر في موافقة الشيخ المفيد في ما ذهب إليه من التحريم خلف القبور مطلقا للروايتين المذكورتين في كلامه وتصويب الشيخ المفيد (قدس سره) في رد صحيحة الحميري الدالة على الأمر بالصلاة خلف الإمام (عليه السلام).
ومنشأ هذا الاختلاف هو ما عرفت من الأخبار في المقام، فمما يدل على القول بالتحريم ما لم يحصل الفاصل أو البعد المذكور في موثقة عمار صحيحة معمر بن خلاد وموثقة عمار ورواية أبي اليسع وصحيحة زرارة ومرسلة الفقيه المتقدم جميع ذلك إلا أن بإزائها ما يدل على الجواز كصحيحة علي بن يقطين وصحيحة علي بن جعفر وصحيحة الحميري ورواية الاحتجاج وغيرها مما تقدم جميعه.
والأصحاب قد جمعوا بين الجميع بحمل أخبار النهي على الكراهة حيث إن الأفضل - كما تقدم ذكره - هو الصلاة عند الرأس، ويشير إلى ذلك قوله (عليه السلام)