دون الإقامة والتعارض بينهما إنما حصل في الأذان وهذا الجمع بالاستحباب إنما يتم فيه خاصة كما سيظهر لك في المقام إن شاء الله تعالى. وبالجملة فالظاهر من الأخبار المذكورة بضم بعضها إلى بعض وحمل مطلقها على مقيدها ومجملها على مفصلها هو استحباب الأذان دون وجوبه في جماعة كانت أو فرادى.
وإنما الاشكال في الإقامة فإن المشهور عندهم كونها كالأذان في ذلك مع أن الأخبار المتقدمة - كما رأيت - متفقة على الاتيان بها ولم ترخص في تركها صريحا ولا إشارة بل كلها مصرحة بالاتيان بها.
وأصحاب هذا القول إنما استندوا في القول باستحبابها إلى الاجماع المركب حيث أعوزتهم النصوص بالعموم والخصوص الدالة على استحبابها أو تركها لتعارض ما دل على الأمر بالاتيان بها، فقالوا إن كل من قال بوجوب الأذان قال بوجوب الإقامة ومن قال بالاستحباب فيه قال بالاستحباب فيها فالقول باستحبابه ووجوبه خرق للاجماع المركب، كذا احتج به العلامة في المختلف وتبعه جملة ممن تأخر عنه وعليه جمد في المدارك والذخيرة ولا يخفى على المنصف ما فيه من الضعف وهل هو إلا من قبيل التشبث بالحشيش للغريق مع ما يعلم من عدم النجاة به من ذلك المضيق؟ وكيف لا ومثل هذين العمدتين قد تكلما في الاجماع وخرقاه في مواضع من كتابيهما وإن استسلقوه في مثل هذا الموضع ومما يؤيد ما ذكرنا من الفرق بينهما وأنه لا يلزم من استحبابه استحبابها أنه قد رخص في الأخبار في الأذان على غير طهارة ولم يرخص في الإقامة إلا مع الطهارة ورخص في الأذان إلى غير القبلة ولم يرخص في الإقامة إلا إلى القبلة، ورخص في الأذان قاعدا وراكبا وماشيا وكيف شاء ولم يرخص في الإقامة إلا قائما مستقبل القبلة، وقد تقدمت الأخبار الدالة على جميع ذلك.
بل صرح جملة منها بما يومئ إلى كونها من الصلاة كما صرحت به رواية سليمان بن صالح المتقدمة وكذا رواية يونس الشيباني المتقدمة أيضا.