الثاني: أن يكون العرضة بمعنى المعرض للأمر قال الشاعر:
فلا تجعلوني عرضة للوائم فيكون المعنى: لا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم فتبتذلوه بكثرة الحلف، ولذلك ذم الحلاف بقوله تعالى: ﴿ولا تطع كل حلاف مهين﴾ (1) بأشنع المذام، وصدرت بقوله: «حلاف» أي كثير الحلف.
قال في الكشاف: كثير الحلف في الحق والباطل، وكفى به مزجرة لمن اعتاد الحلف قوله عز وجل: (أن تبروا وتتقوا وتصلحوا) علة للنهي، أي إرادة أن تبروا وتتقوا وتصلحوا، لأن الحلاف مجترئ على الله غير معظم له، فلا يكون برا تقيا، ولا يثق به الناس ولا يدخلونه في وسطائهم وإصلاح ذات بينهم (2).
واليمين على الامور الدنيوية مكروهة، والإكثار منها أشد كراهية، بل الظاهر كراهية الإكثار من اليمين مطلقا، ويدل عليه الآية على أحد التفسيرين. وما رواه الكليني في الحسن بإبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: اجتمع الحواريون إلى عيسى (عليه السلام) فقالوا له: يا معلم الخير أرشدنا. فقال لهم: إن موسى نبي الله أمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين وأنا آمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين ولا صادقين (3).
وعن أبي أيوب الخزاز قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا تحلفوا بالله كاذبين ولا صادقين، فإنه عز وجل يقول: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) (4).
وعن أبي بصير قال: حدثني أبو جعفر (عليه السلام) أن أباه كانت عنده امرأة من الخوارج أظنه قال: من بني حنيفة، فقال له مولى له: يا بن رسول الله: إن عندك امرأة تبرأ من جدك، فقضى لأبي أنه طلقها، فادعت عليه صداقها، فجاءت به إلى أمير المدينة تستعديه، فقال له أمير المدينة: يا علي إما أن تحلف، وإما أن تعطيها، فقال لي: يا بني! قم فأعطها أربعمائة دينار، فقلت له: يا أبه! جعلت فداك، ألست محقا؟